وهذا كقولهم إذا غاب العبد وانقطع الخبر، فهل يجب على المَوْلى إخراجُ فطرته؟ فعلى قولين: أحدهما - لا يجب تغليبا لبراءة الذمة، والثاني - يجب لاعتقاد الحياة، وكذلك إذا أعتقه مالكه عن ظهارٍ، فهل تبرأ ذمته في الحال، فعلى ما ذكرناه: في قولٍ نقول: الأصل اشتغال الذمة، فلا براءة إلا بثت، وفي قولٍ: الأصل بقاء العبد، فلا حكم بالموت والفوت إلا بثبت، فهذا هو المسلك، ولا معنى لإكثار الأمثلة بعد وضوح المقصود. نعم، مِن حكم تقابل الأصلين أن يَدِقّ النظرُ في محاولة ترجيح جانب على جانب.
ولو لم يسلِّم الغارم السلامةَ الخِلْقية، بل قال: خلق أكمه، أو بِفَرْد عينٍ، فالذي ذهب إليه الأكثرون أن الغارم مصدق، فإنه لم يسلم أصلاً حتى يُنسبَ بعد تسليمه إلى زواله، وقال العراقيون: في هذه الصورة قولان مبنيان على القولين فيه إذا اختلفا في مقدار القيمة مطلقاً، فإنا إذا صدقنا من يدعي الزيادة، فليس معه أصل في دعوى الزيادة. ومع هذا أجرينا قولاً في تصديق الطالب، ولا فرق بين أن يدعي مزيداً مطلقاً لا يستند إلى أصل، وبين أن يدعي مزيداً في أصل الخلقة، بل هذا أقرب؛ فإن سلامة الخلقة معتادة؛ والكمه نادر، وادعاءُ الزيادة المطلقة ليس فيها استناد إلى اعتياد.
وليتّخذ الفقيه هذا الفصل معتبره إن كان يبغي أن تتميز له صور تقابل الأصلين عن غيرها، فالقولان في الاختلاف المطلق في مقدار القيمة ليسا من تقابل الأصلين، بل أصح القولين تصديق الغارم. والقول الثاني موجه باعتبار قول من يُزال ملكه بعوض.
وهذا ضعيف؛ لأن هذا الكلام كالمشير إلى تراضي المعاوضات، والملك يزول بسبب القهر، فهو من فن الإتلاف.
وإذا رجع النزاع إلى ادعاء نقص بعد تسليم السلامة، فهذا من صور تقابل الأصلين؛ إذ أصل براءة الذمة يعارض أصلَ السلامة، (١ وإذا لم يسلم الغارم السلامة ١)، فهذا يَخْرُج عن قالب تقابل الأصلين، فإن الغارم لم يسلم أصلَ السلامة، وإن تكلف متكلف، وقال: الأصل في الناس السلامة، كان مبعداً، ومن