المضطر في صلاة الفريضة؟ فيه اختلاف. ولعل الأصحَّ المنعُ؛ فإنه خروج عن هيئة المصلّين بالكلية.
قلت: ومن جوَّز ذلك في النفل، فما عندي أنه يجوز الاقتصار على ذكر القلب في القراءة والتكبير والتشهد والتسليم، وهذا يُضعف أصلَ الوجه؛ فإن ذكر القلب إلى قراءة اللسان أقرب من إجراء أمثال الأفعال في الفكر مجرى صورها فعلاً. ولو ارتكب المفرع على هذا الوجه الضعيف جواز الاكتفاء بقراءة القلب، كان طارداً للقياس، ولكنه مسرفٌ في الخروج عن الضبط، منتسب إلى الاقتحام.
٩٤٤ - وأنا أذكر في ذلك تحقيقاً ينتجح به طالب الفقه، فأقول: قد ذكرنا فيما تقدم في كتاب الطهارة من تقاسيم الضرورات والمعاذير، أنا لا نشترط في القعود في الصلاة المفروضة - بدلاً عن القيام نهايةَ الضرورة، وعدمَ تصوّر القيام في الإمكان. وأنا أقول الآن: ينبغي أن يُشترط في الاضطجاع في الفريضة الضرورةُ، وعدمُ تصور القعود، أو خيفةُ هلاك، أو مرضٍ طويلٍ، وأرى أقربَ المراتب شبهاً بهذا رتبةَ المتيمم في مرض وجُرحٌ به، وقد سبق ذلك مفصلاً.
وعلى الجملة لا أكتفي في ترك القعود بالاضطجاع بما أكتفي به في ترك القيام بالقعود.
ولعل الشرع جوز التنفل قاعداً تهويناً لأمر القيام، والذي يوضّح الغرضَ في ذلك أن الأئمة لما قسموا الأعذار إلى العامة والنادرة، عَدّوا ما يقعد المصلي لأجله من الأعذار العامة، والمرض الذي لا يتصور معه القيام ليس بعام، ولكنهم لما اعتقدوا أنه يُكتفى في القيام بما دون الضرورة، ألحقوا ذلك بما يعم، وأما ما يضطجع المصلي لأجله، فإنهم ألحقوه بما يندر ويدوم، وهذا مشعر بما ذكرته من اشتراط مزيد ضرورة في الاضطجاع (١). ثم إذا صلّى المريض على حسب الإمكان، لم يلزمه القضاء، فإنه إن قعد، فالعذر عام، وإن اضطجع، فالعذر نادرٌ دائم، وقد ذكرنا أنه لا قضاء في القسمين جميعاًً.
(١) عبارة (ت ٢) فيها زيادة وسقط، هكذا: ... في الاضطجاع (فالعذر نادر دائم) وقد ذكرنا.