للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

٩٤٥ - إذا كان بالإنسان رمدٌ متمكن مؤلمٌ مؤذٍ، فقال من يوثق به: لو اضطجعت أياماً، وعولجت، برَأت، فهل يصلي مضطجعة لهذا العذر؟ قال العراقيون: هذه المسألة ليست منصوصة للشافعي، وللعلماء فيها اختلاف، ونقلوا خلاف العلماء في جواز ذلك، ثم قالوا: وما يقتضيه أصل الشافعي أنه لا يجوز الاضطجاع لهذا، واستدلوا بما روي أنه لما قرب ابن عباس من العمى، قال له بعض الأطباء: لو صبرت سبعةَ أيامٍ مضطجعاً، وعالجتُك برَأت عينُك، فاستفتى ابنُ عباس رضي الله عنه عائشةَ وأبا هريرة، فلم يرخّصا له في ذلك، وكُفَّ بصرُه (١).

قلت: إذا لم يكن للشافعي في ذلك نص، وقد نقلوا في ذلك خلاف العلماء، فالمسألة محتملة، وفساد البصر شديد، وتكليف المصلي ما يغلب على الظن منه عماه بعيد، وما ذكروه من حديث ابن عباس واستفتائه تعلقٌ بمذهب آحادٍ من الصحابة، وهو حكاية حال، فلعلهم لم يثقوا بقول الطبيب، ورأَوْا الأمرَ شديداً، والعلاجَ غيرَ مجد، والله أعلم.

ثم إن قال قائل: القيامُ في نفسه مقدور عليه، وليس في عينه عجزٌ؟ قيل: إيصال الماء إلى محل الجروح ممكن، ولكن مخوفُ العاقبة (٢)، ثم إن صح ما قاله


(١) هذا الأثر عن ابن عباس رواه البيهقي، وفيه أنه سأل عائشة، وأم سلمة، وقد علق عليه النووي في المجموع قائلاً: رواه البيهقي بإسنادين أحدهما صحيح، والآخر ضعيف، ثم تعقب روايتنا هذه قائلاً: "وقع عند الغزالي في الوسيط: أن ابن عباس استفتى عائشة، وأبا هريرة، وهو باطل فلا أصل لذكر أبي هريرة" ا. هـ. وقد تبع النوويُّ ابنَ الصلاح في إنكاره على الغزالي، والحق مع إمام الحرمين وتلميذه الغزالي، فقد قال الحافظ "فأما استفتاؤه لأبي هريرة، فأخرجه ابن أبي شيبة، وابن المنذر" ا. هـ. (ر. السنن الكبرى: ٢/ ٣٠٩، والتلخيص: ١/ ٢٢٨ ح ٣٣٩، ومشكل الوسيط لابن الصلاح والتنقيح للنووي - بهامش الوسيط: ٢/ ١٠٨، ١٠٩).
(٢) المعنى أنه كما يجوز التيمم مع وجود الماء وإمكان إيصاله إلى محل الجروح؛ خوفاً من العاقبة وفساد الجرح، فيجوز الاضطجاع مع القدرة على القيام إذا كان القيام مخوف العاقبة.