للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر صاحب التقريب هذا، وذكر معه شيئاًً آخر، وهو أنه قال: نقل البويطي عن الشافعي في مختصره أنه قال: إن سجد القارىء، تأكد السجود على المستمع، وإن لم يسجد القارىء، فسجد المستمع، كان حسناً، وكان مقيماً للسنة، فصار هذا قولاً، وليس يبعد توجيهه، وحُمل ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تدارس أصحابه القرآن على استحثاث التالي على السجود.

ولو لم يقصد الاستماع، فلا يسجد وإن سجد التالي، وإن كان قرع سمعَه ما تلاه؛ فإنه إذا لم يقرأ في نفسه، ولم يجرّد قصداً إلى الاستماع، فتقع سجدتُه لو وقعت منقطعةً عن سبب يختاره وينشئه.

وكان شيخي يقول: المصلي يسجد إذا سجد إمامه سجودَ التلاوة، لا محالة.

ولو كان المصلي يُصغي إلى قراءة قارىءٍ في غير الصلاة، أو إلى قراءة مصل ليس إمامَه، فلا ينبغي أن يسجد أصلاً؛ فإنه ممنوع عن إصغائه، فلا حكم له، وحق الصلاة أن تُحرسَ عن سجودٍ زائدٍ لا يقوى سببُه.

فإذاً إنما يسجد المصلي إذا تلا إماماً أو منفرداً، أو إذا سجد إمامُه لما تلا، فيتابعه، فلو تلا الإمامُ، ولم يسجد، لم يسجد المقتدي، ولو سجد، بطلت صلاته. ولو تلا المقتدي، فلا يسجد، كما إذا سها، فإنه لا يسجد للسهو.

وذهب أبو حنيفة (١) رضي الله عنه أن المصلي المنفرد، والإمامَ إذا سمع غيرَه يتلو، فإنه يسجد إذا سمع خارجاً من الصلاة. وفي بعض طرقنا ما يشير إلى هذا، وهو بعيد جداً.

فهذا بيان ما يقتضي سجودَ التلاوة قراءةً واستماعاً، وذِكْرُ أعداد السجدات.

٩٥٩ - فأما كيفية السجود، فنذكر سجود من ليس في الصلاة، ثم نذكر سجود التالي في الصلاة.


(١) ر. بدائع الصنائع: ١/ ١٨٧، فتح القدير: ١/ ٤٦٨، تبيين الحقائق: ١/ ٢٠٦، حاشية ابن عابدين: ١/ ٥١٩.