للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومذهب مالك (١) أن سجدات التلاوة إحدى عشرة، ولم يُثبت في المفصل سجدة، وهذا قول للشافعي في القديم، والمعتمد في نُصرته ما روي عن ابن عباس أنه قال: "لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المفصّل بعد ما هاجر" (٢). واعتمد الشافعي في الجديد ما رواه أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد لما تلا: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (٣) [الانشقاق: ١] وكان إسلام أبي هريرة بعد الهجرة بسنين (٤)، ورأى ما أثبته أولى من نفي ابن عباس.

وفي بعض التصانيف أن ابن سريج أثبت سجدة "ص"، فصارت السجدات على مخرجه خمسَ عشرةَ سجدة.

٩٥٨ - ثم إن تلا الرجل آية سجدة، سجد، وإن لم يتل بنفسه، ولكنه كان يستمع إلى قراءة غيره، فتلا وسجد التالي، يسجد المستمع، فالاستماع إذاً يقتضي السجود إذا سجد التالي، فأما إذا لم يسجد التالي، فالذي ذهب إليه معظم الأئمة، أن المستمع لا يسجد، ويشهد لذلك ما روي: "أن طائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتدارسون القرآن بين يديه، فقرأ قارىء آية سجدة وسجد، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ آخرُ آيةَ سجدة، فلم يسجد، فلم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، قرأ فلان فسجدتَ، وقرأتُ فلم تَسجد، فقال صلى الله عليه وسلم: كنت إمامنا فلو سجدتَ، لسجدنا" (٥).


(١) ر. حاشية العدوي: ١/ ٣١٨، حاشية الدسوقي: ١/ ٣٠٧، جواهر الإكليل: ١/ ٧١.
(٢) حديث ابن عباس: رواه أبو داود، وأبو علي بن السكن في صحيحه، وفيه راويان مضعفان.
(ر. أبو داود: الصلاة، باب من لم ير السجود في المفصل، ح ١٤٠٣، البيهقي: ٢/ ٣١٢، ٣١٣، تلخيص الحبير: ٢/ ٨ ح ٤٨٤).
(٣) حديث أبي هريرة: رواه مسلم، وأصله في البخاري (ر. اللؤلؤ والمرجان: ١/ ١١٦ ح ٣٤١، والتلخيص: ٢/ ٨ ح ٤٨٥).
(٤) ومن يقرؤها بسنتين، فقد صحف؛ فإن إسلام أبي هريرة كان عام خيبر باتفاق.
(٥) الحديث رواه أبو داود في المراسيل عن زيد بن أسلم، وكذا رواه الشافعي، ونظيره عند البخاري معلقاً عن ابن مسعود من قوله. وقد ذكر الحافظ من وصله فى تغليق التعليق. (ر. التلخيص: ٢/ ٩ ح ٤٩٠).