كالعبد الآبق لا يترخص برخص المسافرين، فأما إذا لم تكن المعصية في سبب الرخصة، فلا تسقط الرخص؛ فإن المسافرين إذا كانوا يفسقون [بالشراب](١)، فإنهم يترخصون؛ إذ لا معصية في السفر نفسه، كذلك سبب الرخصة الجنون، وهو كائن لا معصية فيه، وسيأتي تمهيد ذلك على أبلغ وجه من البيان في موضعه. إن شاء الله تعالى.
٩٦٤ - ثم قال الأئمة: السكران إذا فاتته صلوات في سكره، يلزمه قضاؤها، وهذا متفق عليه، فلو جُن السكران، فقد ذكر الأصحاب وجهين في قضاء الصلوات: أحدهما - أنه لا يقضي إلا صلوات أيام السكر.
والثاني - أنه يقضي صلوات أيام الجنون؛ فإن جريان الجنون في السكر بمثابة جريانه في الردة؛ إذ السكران مغلّظ عليه في أمر الصلاة، كما أن المرتد مغلظ عليه.
وهذا كلام ملتبس لا حقيقة له، والوجه أن يقال: إذا زال السكر والجنون متصل، فلا يجب قضاء الصلوات التي تمضي مواقيتُها في الجنون بعد زوال السكر وجهاً واحداً، بخلاف المرتد يجن؛ فإن المجنون الذي جنّ في ردته مرتد في حال جنونه حكماً، وليس بسكران قطعاً. فأما الزمان الذي اجتمع فيه السكر والجنون، فيجوز أنْ يُقال: هو فيه كالذي يجن وهو مرتد.
والذي ذكرناه إذا لم يكن شُربُه سببَ جنونه، فإن كان كذلك، فهذا رجل جنن نفسه، ولو جرى ذلك وفاتت صلوات في الجنون، ففي وجوب قضائها وجهان، سنذكرهما في باب القصر عند جمع المعاصي المؤثرة في الرخص. والله المستعان.