للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١١٠٣ - ومما أجراه الأصحاب على ذلك أن قالوا: إذا ضُرب اللَّبِن (١) بماءٍ نجس، وجف، فهو نجس، فلو صب على ذلك ماء طهور حتى انتقع ووصل الماء إلى أجزائه، كان هذا بمثابة ما لو أصاب الأرضَ نجاسة فصب الماء عليها، وكوثرت به.

ولو اتخذ من ذلك اللَّبِن آجُراً، فهل يطهر؟ قالوا: إن حكمنا بأن الشمس لا تطفر، فالآجر نجس، وإن قلنا: بأن الشمس تطهر، فالنار أقوى أثراً وأبلغ، فينبغي أن يطهر الآجُر.

وحاصل هذا القول فيما ذكرناه: أنا على الجديد لا نحكم لشيء أصابته نجاسة بالطهارة، حتى يُصبَّ عليه الماء، كما تفصل، وإن احتُفر الترابُ، ونقل، فهذا من باب إعدام محل النجاسة، وهو كما لو أصابَ ثوباً نجاسة، فقُرض موردها بمقراض ونُحي.

فهذا قاعدة المذهب.

١١٠٤ - ونصَّ الشافعي في القديم أن الشمس إذا حميت وأزالت عينَ النجاسة، طهر المكان، ونزل منزلة ما لو احتُفر التراب ونُقل، وقد تحقق عدم النجاسة، فخرج أصحابنا على القول القديم فرعين: أحدهما - انعدام العين [بتأثير النار، وهذا التخريج متجه منقدح لا بد منه] (٢).

والثاني - تغير صفات النجاسة بانقلابها تراباً، أو ملحاً، أو رماداً، كما ذكرناه، وهذا أبعد من جهة أن عين النجاسة قائمة، وإنما تغيرت الصفات، وحالت من نعت الإنتان، وصفة الاستقذار إلى نعتٍ آخر، وكان هذا تخريجاً على التخريج تقريباًً.

والذي يقتضيه الترتيب أن يقال: إذا جعلنا خطفَ الشمس والنار لعين النجاسة تطهيراً، ففي تغيّر الصفات وجهان. ثم ينبغي أن تتغير إلى صفات أعيان طاهرة النوع كالذي ينقلب تراباً، أو ملحاً، أو رماداً، فإن هذه أنواع طاهرة في أنفسها.


(١) "اللبن" هو القوالب التي تصنع من الطين المخلوط بالتبن ونحوه، ويجفف ويبنى به، وقد يحرق بالنار ويطبخ بها حتى يستحيل إلى آجر، وصناعته تسمى (الضرْب).
(٢) زيادة من: (ت ١)، (ت ٢).