للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفارق المنازل"، واسم المنازل يختص بالعامر، الذي يمكن أن يسكن، وهذا يظهر تعليله؛ فإن المسافر هو البارز من مكان الإقامة، والخراب ليس مكان إقامة، فهذا وجهٌ. وهو سديد وتعليله بيّن.

ولكن شرط ذلك ألاّ يكون وراء الخراب عمارةٌ معدودة من البلد، فإن كان، فلا شك أن الخراب من البلدة، ولا بد من مجاوزة منتهى العمارة.

١٢٦١ - وأما شيخنا فإنه كان يفصل القول في الخراب الواقع على طرف الخِطة، ويقول: إن كانت آثار الأبنية باقية، فلا بد من مجاوزتها؛ فإنها تُعدّ من البلدة، وقد ثبت أن مجاوزة البلدة لا بد منها، ثم كان يقول: يتصور فيها أحوال، نخرّجها على حكم البلدة، ونحن واصفوها، منها: أن يتخذها الناس مزارع، فإذا انقلبت مزارع، فليست الآن من البلدة وفاقاً؛ فإنها خرجت عن أن تكون مساكنَ قصداً. وكان يقول: إن سُوِّرَ العامرُ، وأخرج الخراب، فيكفي مجاوزةُ السور المحوط على العمران؛ فإن سكان البلدة اعتمدوا إخراجَ الخراب، وكان يقول في هذه الصورة: لو سوّروا على العامر، وحوطوا سوراً آخر على الخراب، فلا بد من مجاوزة السورين.

ومما يطرأ على الخراب أن يندرس بالكلية، ولا يبقى له أثر. كان يقول: هذا يُخرجها عن خِطة البلدة؛ فإن آثار البنيان يَظهر عدُّها من البلد، فأما الدارس المنطمس، فلا.

ومما يذكر في الخراب أنه لو اتخذ منها بساتين، وكانت منازلَ ودوراً، فإن كان ملاكها لا يسكنونها ولا يخرجون إليها إلا متنزهين، أو لنقل الثمار، وإنما يأوي إليها الأكَرَة (١) والنواطير، فهي كالمزارع، فتخرج عن الخطة، وإن كان ملاكها يسكنونها، فهي من البلدة، ولكنها سكنت قديماً دوراً، وهي الآن مسكونة على هيئة أخرى. وكذلك إذا كان ملاكها يأوون إليها منتقلين إليها في بعض فصول السنة، فهي مَحِلة نَزِهة من البلد، فلا بد من مجاوزتها. والذين لا يعدّون الخراب من البلد في الطريقة الأولى يوافقون على هذا التفصيل في البساتين.


(١) الأكرة: بفتحات ثلاث جمع أكار، وهو الحراث، من: أكرْتُ الأرض: حرثتها. (المصباح). والمراد هنا كل من يعملون في زراعة الأرض وحراستها.