١٢٦٤ - فأما المقيم في البريّة، إذا نهض مسافراً من مقامه، فينبغي أن يجاوزَ الخيامَ والأخبيةَ، ومطارحَ التراب، والمواضع الذي يتردد أهل الخيام إليها، وكذلك مجلسهم الذي يشتورون فيه، وهو الذي يسمونه النادي، فهذه المواضع إذا وقعت في صوب خروجه، فلا بد من مجاوزتها.
فإن قيل: لم تذكر محتطَبَْ القوم، والموضعَ الذي يستقون منه. قلنا: ذلك يختلف، فإن كانوا يغدون نازلين على الماء أو على الحطب، فهو معتبر، وإن كانوا يحتطبون من بُعد أو يستقون، فلا يعتبر مجاوزة ذلك؛ فإنه غيرُ معدود من مخيّم القوم، ومحل إقامتهم.
وقد نص الشافعي أنهم إن نزلوا في بطن وادٍ، وكان السفر في عُرض الوادي، فلا بد من قطعه، وهذا محمول على الغالب؛ فإن الأغلب أن عُرض الوادي يكون منسوباً إلى مخيم النازلين، فإن اتسع عُرض الوادي، وقلّت الخيام، فلا يعتبر جَزْع (١) عُرض الوادي.
فإن قيل: هل في اعتبار مجاوزة مطارح التراب والدِّمَن في هذه الصورة، ما يشهد لاشتراط مجاوزة الخراب في البلدة؟ قلنا: هذه الأشياء من مرافق الخيام، ولا بد لها منها، ولا يتحقق مثل هذا في الخراب.
فهذا منتهى التفصيل في المواضع التي يعتبر مجاوزتها، وما فصّلتُه غايةُ الإمكان فيه، وأشدُّ ما أعانيه في هذا المجموع أمثالُ هذه الفصول؛ فإنها في الكتب منتشرة لا ضبط لها، ولست أرى فيها اعتناء من الأولين لمحاولة الضبط. والله ولي الإعانة والتوفيق، بمنّه ولطفه.
فرع:
١٢٦٥ - إذا فارق الهامُّ بالسفر العمرانَ كما ذكرنا، وصار خائضاً في السفر، ثم كان خلّف شيئاًً من أمتعته، فعاد إلى البلدة ليحمله، فأراد أن يقصر في البلدة، فهل له ذلك؟ قال الأئمة: إن كانت البلدة وطنَه، وقد أنشأ السفر منه، فإذا عاد إليه