للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مستوفزاً، فلا يقصر، وإن كان غريباً في تلك البلدة، وكان قد أقام فيها مدة، ثم فارقها وعاد إليها كما ذكرناه، فهل يقصر؟ فعلى وجهين: أصحهما - أنه يقصر؛ فإنه لم تكن البلدة وطنَه، ولكن أقام بها، ثم تقلع عنها، فصارت البلدة في حقه كسائر المنازل، ومن أصحابنا من جعله كالمتوطّن، يسافر ثم يعود.

فرع:

١٢٦٦ - إذا أقام قوم في طرفٍ من البادية، وكانت خيامُهم متبددة متفرقة، فقد ذكر الصيدلاني في ذلك ضبطاً، فقال: إن كانوا بحيث يجتمعون للسمر في نادٍ، وكان يستعير (١) بعضهم من بعض، فهم مجتمعون، فلا بد من مفارقة الخيام. وإن أفرط التباعد بحيث لا يجتمعون، ولا يستعين بعضهم ببعض، فأهل كل خيمة ينبغي أن يفارق خيمته وحريمَها، كما ذكرنا في الخيام.

فصل

١٢٦٧ - إذا خرج مسافراً، يقصر من وقت خروجه ومفارقته الوطن، بشرط أن تكون نيتُه مربوطة بسفر طويل، فأما إذا لم يرتبط قصده بسفر طويل أو قصير، ولم يخطر له مقصد، ولكنه خرج هائماً على وجهه، فهذا لا يقصر ولا يترخص رُخَصَ المسافرين، وإن سافر على هذه السجية ألف فرسخ؛ فإنه لما خرج، كان لا يدري أنه في سفر طويل أو قصير، ثم هذا يجري في كل حالاته، والذي طواه قبلُ من المسافة لا أثر له، وإنما النظر في حاله، وفيما بين يديه.

١٢٦٨ - ولو أنه خرج لردِّ عبد آبق، أو طلب غريم، وكان لا يدري أنه يُدرك على القرب أو على البعد خصمَه، فحكمه حكم الهائم في بعض السفر، لأنه ليس له مقصد معيّن، ولا نحكم عليه بأنه في سفر طويل أو قصير، والقصرُ الذي نحن فيه مختص بالسفر الطويل.

١٢٦٩ - ولو خرج مسافراً رابطاً قصده بطيّ مسافةٍ تبلغ مرحلتين، فصاعداً، ثم طرأ عليه بعد خروجه نيةٌ، فعزم أنه مهما (٢) لقي فلاناً، انصرف، وإن لم يلقه، تمادى إلى


(١) فسر هذه الاستعارة بالاستعانة في الجملة الآتية.
(٢) "مهما": بمعنى إذا.