للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقصده الأول، فظاهر المذهب في هذه الصورة أنه يقصر؛ من جهة أنه خرج ملابساً سفراً طويلاً، وكان ذلك مبتدأ حاله إلى أن يطرأ قاطع، وتوقع الالتقاء بمن عينه لا يقطع حكم سفرِه؛ فإن ذلك أمرٌ مظنون، وملابسته السفرَ الطويل كان مقطوعاً به، فلا ينقطع، ما لم يلق فلاناً، فإذا لقيه، خرج عن كونه مسافراً، وحكمه الآن حكم المقيم، جرياً على حكم نيته، وقد حقَّت وتنجزت، فانقطع سفرُه.

فإن ابتدأ وراء هذا سفراً، نظرنا فيه وفي صفته كما تقدم.

ومن أصحابنا من يقول: إذا خرج رابطاً نيته بسفر طويل، ثم نوى أنه لو لقيه فلان، لرجع، فقد خرج عن كونه مسافراً سفراً طويلاً، وبطلت النية الأولى، فصار كما لو خرج في الابتداء ونيته الأولى على هذا الوجه.

١٢٧٠ - وحكى الأئمة عن نص الشافعي مسألة تداني ما ذكرناه، وهي أن الرجل لو خرج عازماً على أن يخرج إلى بلدة عيَّنها في نيته، ويقيم بها أربعة أيام، ثم يخرج منها إلى بلدة أخرى عيَّنها، فإن لم يكن بين منشأ سفره وبين البلدة الأولى مرحلتان، فإنه لا يقصر؛ فإن سفره سينقطع على موجب نيته بإقامته في البلدة الأولى، فهذه سفرةٌ في نفسها، وليست طويلة، فإنْ فرض خروجه إلى البلدة الثانية، فهذه سفرة أخرى جديدة، فإن لم تبلغ المسافة بين البلدتين مرحلتين، فإذا خرج، أخذ في القصر، وكذلك القول في السفرة الثانية. فلو أنه ربط نيته في أول خروجه بالمصير إلى البلدة الثانية من موضع خروجه، وكان جميع المسافة بالغاً مرحلتين، فصاعداً، فإنه يقصر، فلو خرج على هذه الجملة (١) التي وصفناها، ثم بدا له بعد الخروج أن يقيم ببلدة في وسط الطريق أربعة أيام، وليست المسافة الآن بينه وبين البلدة التي ربط النية بها مرحلتين، فإن الشافعي يقصر في هذه الصورة؛ فإن سفره الأول ثبت على وجه يتعلق به القصر، ثم طرأ بعد ذلك نيةٌ أخرى، فلا معوّل على النية الثانية، وحكم النية الأولى قائم، إلى أن ينتهي إلى البلدة التي ربط السفر بها في الكَرة الثانية، فإذا انتهى إليها وقصد الإقامة، بطل الآن السفر، فإذا خرج من البلدة الأولى، فهذا سفر


(١) كذا في جميع النسخ، والمعنى: خرج على نية قطع هذه الجملة، أي المسافة بين وطنه والبلدة الثانية.