وعلى هذا حمل حاملون ما روي:"أن ابن عمر أقام على القتال بأذربيجان ستة أشهر، وكان يقصر الصلاة فيها"(١).
ثم إذا قلنا: يقصر الغازي ثمانيةَ عشرَ يوماً، أو قلنا: ذلك في التاجر، فلو نوى أن يقيم ثمانية عشر يوماً، وجزم قصده فيه، فهل يقصر؟ فعلى قولين: أحدهما - يقصر، كما لو أقام على التردد؛ فإن هذه المدة في حق هؤلاء، كثلاثة أيام في حق المسافر الذي لا شغل له، ثم لو نوى المسافر ثلاثة أيام، قصر فيها، وهذا لا يبين إلا بذكر صورة أخرى: وهي أن المحتاج إذا علم أن شغله لا ينتجز إلا في ثمانيةَ عشرَ يوماً، فهل يقصر على قولنا: إنه يقصر لو كان على ارتقاب من النجاز على القرب، أو على الاستئخار؟ فعلى قولين على هذا القول: أحدهما - أنه يقصر كما لو كان على تردد.
والثاني - لا يقصر؛ فإن المتردد لا يكون مطمئناً إلى السكون، والقاطع في الصورة الأخيرة ساكن مطمئن إلى إقامته، فيعدّ من مضاهاة المسافرين.
١٢٧٧ - فإذا ثبتت هذه الصورة، عدنا إلى البحث عن الصورة المذكورة قبل هذا، وهي أنه إذا جزم عزمه على الإقامة ثمانيةَ عشرَ يوماً، فنقول: إن علم أن الشغل يتمادى إلى مثل هذه المدة، فإذا جزم النية، فهو الخلاف الذي ذكرناه أخيراً. فأما إذا كان على تردد في أمره، وجزم نية الإقامة مع ذلك، فهذا في تصويره عسر؛ فإنا نقول: إن جزم على تقدير بقاء الشغل في هذه المدة، فهو لا يدري أيبقى أم لا؟ فهذا تردد وليس بجزمٍ للقصد، وإن كان معنى قصده جزمَه أن يقيم في هذه المدة قاصداً، وإن انتجز الشغل قبلها، فلا معنى لذكر الخلاف في هذه الصورة؛ فإن هذا رجل جزم نية الإقامة من غير تقدير قتال وشغل، فالوجه أن تقطع الرخص عنه قطعاً، وإن كان القتال دائماً، أو غير ذلك من الحاجات، على التفصيل المقدّم؛ فإنه لم يربط قصدَ إقامته بالشغل، بل جزمه وإن لم يكن شغل، ولا يجوز خلافُ هذا الذي ذكرناه، فهذا ما أردناه في ذلك.
(١) حديث إقامة ابن عمر وقصره بأذربيجان، رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح. قاله الحافظ (التلخيص: ٢/ ٤٨ ح ٦١٠). (الفتح الرباني: ٥/ ١١٢ ح ١٢٢٨، والسنن الكبرى: ٢/ ١٥٢).