للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٢٧٨ - فإن قيل: الثمانيةَ عشرَ في أي خبر صح؟ وكيف وجه النقل فيه؟ قلنا: هذا الذي سبب بإشكاله في النقل، وها أنا ذاكره فأقول: كنت أظن قديماً أن الإقامة التي اختلفت الرواية في مدتها كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاصرة خيبر، وهكذا سماعي عن شيخي، ثم تبين لي أن اختلاف الروايات في سفرةٍ أخرى، وقد روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عشراً، وقد قدمتُ ذكرَ روايته، وقد روى عمران بن حصين أنه أقام سبعة عشر يوماً، وروى ابن عباس ثمانية عشر يوماً، وروى جابر عشرين يوماً، فاجتمع وجوهٌ من الإشكال، منها أن الأصل في هذه المدة الغزو، والظاهر أن الروايات لم تكن في غزاة؛ فإنها جرت بمكة، فوجه حل الإشكال أنه جرى من الفقهاء في هذا خبطٌ؛ من جهة أنهم لما سمعوا أنه جرى ما جرى بمكة، حملوه على سفر الحج، والذي رَووْه من رواية أنس كانت في الحج قطعاً، فأثبتوه في هذه القصة، والصحيح أن هذه المدة في الإقامة التي اختلفت الرواية فيها في عام فتح مكة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، أخذ يريد المسير إلى هوازن، وكانت إقامته على تدبير الحرب، فَلْيَفْهَم الفاهم ذلك.

فأما رواية أنس فغلطٌ من الناقل في هذه السفرة، فإنها كانت في الحج.

بقيت رواية عمرانَ، وابنِ عباس، وجابر، فمن أئمتنا من قال: في مدة الغازي ثلاثة أقوال مأخوذة من هذه الروايات، ومنهم من قال: المعتبر ثمانيةَ عشرَ يوماً، وما رواه جابر محمول على موافقة رواية ابن عباس، فكأنه عدَّ يوم الدخول والخروج، ورأى ابن عباس أن ينقل مدة الإقامة، وهي ثمانية عشر، ولا يتعرض ليوم الدخول والخروج، فهذا وجه التصرف في الحديث، وبيان ما وقع من ظن الفقهاء فيه (١).

١٢٧٩ - وقد بقي وراء ذلك أهمُّ شيء بالاعتناء به، وهو نظام الفصل وترتيب القول فيه؛ فإنه كبر قدره وانتشرت أطرافه، فنقول: حال المسافر في التقسيم الأول ينقسم إلى مسافر لا شغل له، وإلى ذي شغل يثبطه (٢): فأما من لا شغل له يثبطه، فمدته


(١) هذا التصرف من الإمام في هذه الروايات، أي الجمع بينها استحق الثناء من الحافظ ابن حجر حيث قال في التلخيص: وهو جمع متين. (التلخيص: ٢/ ٩٦).
(٢) ثبطه على الشيء: عوقه وبطّأ به (المعجم).