١٣٠٥ - ولو ابتدأ الذي في السفينة الصلاةَ، وهو في حد الإقامة، فليس في هذه الصورة كبيرُ فائدة؛ فإنه إن نوى الإتمامَ أو نوى الصلاةَ مطلقة، فتوقُّع القصرِ، وهو لم ينو القصر، لا معنى له، وإن نوى القصر وهو في حدّ الإقامة، فهو كمقيم مستقيم ينوي القصرَ. ولو نوى المقيمُ القصر في صلاة، فهذا فيه شيء، من جهة أنا مهدنا أن نية الترخص بالقصر تقتضي من طريق الضِّمْن الإتمامَ، فكان يحتمل أن يقال: بطل قصد الترخُّص، وثبت أصل التمام، ونزل هذا منزلةَ ما لو نوى مسافرٌ القصرَ خلف من حسبه مسافراً، ثم تبين أنه مقيم، فإنه يلزم المقتدي الإتمامُ، ولا تبطل صلاته، فهذا وجه.
ويظهر أن يقال: نية القصر من المقيم تُبطل صلاتَه؛ فإنه غير معذورٍ في نيته بوجهٍ، فالذي جاء به نيةٌ فاسدة، وفساد النية يتضمن فساد الصلاة.
ولست أعرف خلافاً أن الرجل لو نوى القصر على اعتقاد أنه مسافر، ثم تبين أنه كان انتهى إلى الإقامة، فيلزمه الإتمام، وصلاته صحيحة، وما ذكرته من قصد القصر في حق المقيم من غير تخيل، وهو يشبه عندي من وجهٍ بما لو نوى المتوضىء بوضوئه استباحة صلاة الظهر دون غيرها، ففي فساد النية خلاف مقدم في الطهارة، ووجه التشبيه أن رفع الحدث إذا وقع التعرض له، فإنه لا يتبعض، وإذا قصد تبعيضَه، فمن أئمتنا من أفسد النية، وقال: كأنه لم ينو أصلاً، ومنهم من حذف التخصيص من النية.
والذي يجمع بين المسألتين أنه لو نوى صلاة الظهر، لم يحتج إلى ربط القصد بأربع ركعات، بل هي ترتبط بها شرعاً، كذلك من نوى الاستباحة بوضوئه لو لم يعلق قصده بتعميم الاستباحة، صح وضوؤه وجهاً واحداً، ولو نوى استباحة الظهر، ولم ينف غيره، صح وضوؤه، وعمَّ بلا خلاف.
١٣٠٦ - ومما يدور في خلدي من ذلك أن المسافر لو نوى صلاة الظهر ركعتين جزماً، ولم يخطر له الترخص بالقصر، ففي نيته شيء؛ فإن صلاة الظهر أصلها الأربع، وإنما يقع الاقتصار على ركعتين ترخصاً، وهذا ما قصد الترخّص، ويظهر