للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو انتهى في حركته الثانية إلى ذلك المكان الذي نوى العَوْد منه، ونزله ليرحل منه، فإنه يقصر فيه؛ فإنه الآن منزل، ولم يصر ذلك المكان بما جرى فيه من القصد موضعَ إقامة، حتى يقال: مهما (١) انتهى إليه ثبت له حكم الإقامة.

١٣١٦ - ولو خرج من نيسابور يطلب الرّي، فانتهى إلى نصف الطريق، فقصد الرجوعَ إلى نَيْسابور، فإنه لا يقصر على مكانه؛ فإنه قطع بالقصد الذي جدده سفرَه الأول، فصار مقيماً في مكانه، فإن فارقه راجعاً، قصر؛ فإن المسافة إلى نيسابور طويلة، وإن جدد نيّة سفرته الأولى، فلا يقصر على مكانه، فإذا جاوزه فأمَّ المقصدَ الأول، قصر؛ لأن المسافة إلى الرَّي بعيدة، ولو قصرت المسافة إلى أحد المقصدين، وبعدت إلى الثاني، مثل أن يبقى بينه وبين الرَّي أقل من مرحلتين، ونوى الرجوع، فحكم مكانه ما ذكرناه، فإن انقلب إلى نيسابور، وفارق مكانه، قصر، وإن تمادى وخرج إلى الري، لم يقصر؛ لأن المسافة قريبة، وقد انقطع بالقصد المعترض السفرة الأولى، فهو الآن في مفارقته كأنه مبتدىء سفراً جديداً، وهو قصير، فلا يقصر.

١٣١٧ - ولو خرج من نيسابور يطلب مرْوَ، فلما انتهى إلى سَرَخس حوّل قصدَه إلى هراة، فقد انقطع سفره الأوّل، فليس له أن يقصر بسَرَخْس، وإن كان مقامه به مقام المسافرين، ولكن إذا جاوز سرخس متوجهاً إلى هراة، فإذ ذاك يبتدىء القصر، ولو كان يقصد نيسابور من مرو، فصرف لما انتهى إلى سرخس نيته إلى هراة، فقد قلنا: لا يقصر مادام بسرخس، فلو نقض العزم الثاني، واستمر على قصده الأول، فلا يقصر أيضاً حتى يخرج من سرخس نحو نيسابور، فإن السفر الأول قد انقطع، فلا يعود مسافراً حتى يفارق مكانه.

١٣١٨ - وقد قال الشافعي: لو خرج المكي حاجاً إلى عرفة، مبرماً عزمه على أن يعود إلى مكة، ويطوف طواف الوداع، ويخرج إلى سفرة بعيدة، فلا يقصر في حجه؛ فإن هذا ليس من سفره الذي عزم عليه من مكة، وإذا عاد إلى مكة، لم يقصر


(١) "مهما": هنا بمعنى (إذا).