من حيث إن ما يلابسه، لا يعدّ سفراً طويلاً -والرخص لا تجول فيها الأقيسة، بل الغالب فيها الاتباع- وقد رُبط القصر والفطر بالسفر الطويل = امتنعا في الذهاب والإياب، في الصورة التي ذكرناها.
١٣٢٠ - ولو خرج من وطنه يؤمُّ موضعاً والمسافة مرحلتان، فلا شك أنه يقصر في طريقه ذاهباً وآيباً؛ فإنه في طرفي سفره مستقبل سفراً طويلاً، وظاهر ما نقله الصيدلاني أنه يقصر في مقصده إذا كان لا يقيم بها إلا إقامة مسافر، وهذا مشكل؛ فإن سفره ينقطع على منتهى المقصد، وهو في إيابه في حكم من يبتدىء سفراً، وليس الإياب متصلاً بالذهاب في الحساب، بدليل ما قدمناه من أنه لو كانت المسافة مرحلة، ولكنها تتثنَّى بالإياب، فلا يقصر، ويجعل كأنه لابس سفرين، كل واحد منهما مرحلة، وهذا القياس يقتضي ألا يقصر في مقصد سفره أصلاً، وإن طال السفر.
والذي ذكرته ابتداءُ إشكال، وليس عندي فيه نقل أعتمده إلا ما ذكره الشيخ أبو بكر. والله أعلم.
فصل
١٣٢١ - إذا خرج يقصد موضعاً وكان إليه طريقان، أحدهما مرحلتان، والأخرى أقل منهما، فإن كان سلك الأقصر، فلا شك أنه لا يقصر.
وإن سلك الأبعد، نُظر: فإن اختار الأبعد لغرضٍ ظاهر مثل أن كان في الأقصر خوف، أو توعر وحُزونة يظهر ضررُها وأثرها، فلا شك أنه يقصر إذا سلك الأبعد.
وإن لم يترجح أحد المسلكين على الآخر بغرضٍ ظاهر، فإذا آثر الأبعد، فهل يقصر؟ فيه اختلافُ نصِّ الشافعي، وقد اختلف الأئمة، فمنهم من جعل المسألة على قولين: أحدهما - أنه يقصر، لملابسته سفراً طويلاً لا معصية فيه.
والثاني - لا يقصر؛ فإنه ليس له إرْب بَيّنٌ ظاهر في التزام زيادة المسافة، فهو في حكم من يتعب نفسَه ودابتَه بلا فائدة، وقد أجمع أئمتنا على أن مسافة سفره لو كانت مرحلة واحدة، ولكن كان يذهب يمنة ويسرة، ويتمايل عرضاً وطولاً بحيث تصير