المرحلةُ مرحلتين، فليس له أن يقصر والحالة هذه، وإن ربط قصده بأن يفعل ذلك؛ فإن هذه زيادة تعب لا تفيد، قال الصيدلاني: من كان يركض فرسَه من غير غرضٍ ورياضةٍ، ورعاية أدب معلوم، فهو في إيذائه دابتَه عاصٍ، وإذا كان كذلك، فلأن يكون عاصياً بإيذاء نفسه من غير غرض أولى.
ومن أئمتنا من قال: ليست المسألة على قولين، ولكن النّصّين منزلان على حالين، فحيث قال: يقصر، أراد إذا كان له غرض ظاهر.
وكان شيخي يتردد إذا كان الطريق البعيد نَزِهةً طيبةً، بخلاف الأخرى، فهل يعد ذلك من الأغراض، حتى يقطع القول بجواز القصر؟ ولعل الظاهر عدُّه من الأغراض.
فصل
١٣٢٢ - مذهب الشافعي أن العاصي بسفره لا يستبيح شيئاًً من رخص المسافرين، والعاصي بسفره كالعبد الآبق، والخارج بغير إذن والديه في سفرٍ يشترط فيه إذنهما، وكذلك الهامّ بقطع الطريق، أو ابتغاء مسلمٍ للقتل وغيره من جهات الظلم.
١٣٢٣ - والعاصي في سفره يقصرُ إذا لم يكن سفرُه في عينه معصيةً، وقد ذكرت معتمد المذهب في (الأساليب)(١)، وأنا أرمز إليه، لمسيس الحاجة إليه، في نظم الفروع، فنقول: الرخص في السفر أُثبتت في حكم الإعانة على ما يعانيه المسافر من مشاقِّه وكُلَفه، ويبعد في وضع الشرع الإعانةُ على المعصية، وهل يمسح العاصي بسفره يوماً وليلة؟ فيه وجهان مشهوران: أحدهما - وهو الأظهر عند نَقَلَةِ المذهب أنه يمسح؛ فإن هذا ليس من رخص المسافرين؛ إذ المقيم يمسح يوماً وليلة.
والثاني - لا يمسح، وهذا موجه عندي بأنه تذرعّ إلى المعصية وتسرُّع إليها، ولا فرق في ذلك بين ما يختص بالسفر، أو لا يختص بعد أن يكون من الرخص.
وقال شيخي: إذا كان الرجل مقيماً وكان يدأب في معصية لا تتأتى إلا بإدامة
(١) سبق أن أشرنا إلى أن (الأساليب) واحدٌ من كتب الإمام في الخلاف، ولما نعرف له أثراً للآن.