للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحركة فيها، ولو مسح على خفيه، لكان ذلك عوناً له على ما هو فيه، فيحتمل أن نمنعه من الرخص، وهذا حسن بالغ.

١٣٢٤ - ومما كان يحكيه شيخي حكايةً: أن المسافر العاصي بسفره، لو اضطر إلى أكل ميتة، ولو أكلها، لتقوى على إمضاء عزمه في إباقه، أو قطع طريقه، فهل يحل له الأكل منها؛ فعلى وجهين: أحدهما - أنه يأكل منها؛ فإن إحياء النفس المشرفة على الهلاك واجبٌ، سواء كان المرء عاصياً أو مطيعاً، ولو قلنا: لا يأكل، لكان ذلك سعياً في إهلاكه.

والثاني - لا يأكل؛ لأنه لو أكل، لتذرعّ إلى المعصية، ونحن قد نقتل نفوساً في الذب عن درهم، إذا حاولوا أخذه بباطل.

وكان الأودني (١) يختار هذا الوجه، وكان من دأبه أن يضنّ بالفقه على من لا يستحقه، ولا يبديه. وإن (٢) كان يظهر أثر الانقطاع عليه في المناظرة، فأُلزم هذه المسألة، وأخذ المُلزِم يطول بها، ويقول: هذا سَعْيٌ في إهلاك نفسٍ معصومة مصونة، فكان [الأُودني] (٣) يقول لمن بالقرب منه: "تُ. بْ. كُ. لْ" يريد تُبْ، كُلْ، معناه: أيها الساعي في دَمِ نفسه باستمراره على عصيانه، فإن أراد أَكْلَ الميتة، فليتب ولْيأكل.

وفي المسألة احتمال ظاهر.

ولا خلاف أن العاصي بسفره، غيرُ ممنوع من أكل الأطعمة المباحة، وإن كان يتوصّل بها إلى غرضه، ولكن أكل المباحات ليس [معدوداً من الرخص، وإنما تمتنع


(١) الأودني: محمد بن عبد الله بن محمد بن بصير بن ورقة البخاري - الشيخ الجليل، إمام الشافعية فيما وراء النهر في عصره، وأودن التي ينسب إليها قرية من قرى بخارى. قال ابن السمعاني: بضم الهمزة، وقال ابن ماكولا: بفتحها. توفي سنة ٣٨٥ هـ (طبقات السبكي: ٣/ ١٨٢، الإكمال: ١/ ٣٢٠، الأنساب: ١/ ٣٨٠، وطبقات العبادي: ٩٢، ووفيات الأعيان: ٣/ ٣٤٦).
(٢) كذا في النسخ الثلاث، ولعلها: "وإذ كان".
(٣) زيادة لإيضاح العبارة، كما في الطبقات.