فهذا تفصيل القول في الانفضاض في الخطبة، أو بين الفراغ منها وبين التحرّم بالصلاة.
١٣٦٧ - فأما إذا تحرم بالصلاة وتحرموا، ثم انفضوا، ونقص العدد المشروط، فالنصوص مختلفة جداً، وحاصل الضبط أنه اختلف قولُ الشافعي، أولاً، فقال في قول: يشترط في صحة الجمعة بقاء الأربعين على شرائطهم معه من أول الصلاة إلى آخرها، وهذا يتيسرُ توجيهه؛ فإن العدد مرعي في هذه الصلاة، فإذا اختل في جزء من الصلاة، فقد تخلف شرط الصحة، فلا جزءَ من الصلاة، إلا والجماعة الكاملة شرطٌ فيه، وهذا كالوقت؛ فإنه لما كان شرطاً، لا جرَمَ، قيل: لو وقع التسليم وراء الوقت لم تصح الجمعة، وتعين إقامة الظهر قضاء، فكما نشترط الوقت في دوامه، فكذلك نشترط دوامَ العدد التام.
والقول الثاني - لا نشترط بقاء تمام العدد؛ فإنهم إذا حضروا أولاً وصح عقدُ الصلاة، فالتزام ضبطهم عسِر، وشرطهم في الابتداء يتعلق باختيار الإمام؛ فإنه لا يتحرم ما لم يحضروا، ورب شيء يُشترط في الابتداء، ولا يشترط دوامه، كالنية؛ فإنها لو عزبت بعد العقد، لم يضر عزوبها.
التفريع -
١٣٦٨ - إن حكمنا أن دوام العدد شرط من الأول إلى الآخر، فلو سمع الخطبةَ أربعون على الشرط وتحرموا، ثم انفضوا، وتحرم بعدهم أربعون، فقد بطلت الصلاة؛ فإن هذا مفروض فيه إذا انفض السامعون، ثم تحرّم اللاحقون.
ولا يفرض خلاف أنه لو انفضَّ السامعون، وحضر أربعون آخرون، فتحرم بهم، لم تصح الجمعة، فإن الشرط أن يقع العقد بأربعين سمعوا الخطبة.
فأما إذا تحرم السامعون، وتحرّم بعدهم في الركعة الأولى أربعون ما سمعوا الخطبة، ثم انفض السامعون، وثبت اللاحقون، فلا تبطل صلاة الجمعة؛ فإن العدد لم ينقص، وما انفض السامعون حتى تبعهم اللاحقون، وإذا تبعوهم، صاروا في حكم واحد، فإذا ثبتوا، استقلّت الجمعة بهم، وإن انفض السامعون، وكان هذا كما لو سمع ثمانون وتحرّموا، ثم انفضَّ منهم أربعون، وثبت أربعون.