وظل يصول ويجول في الساحة الفكرية والسياسية المصرية حتى توفي ١٩٥٨، ودفن بناءً على وصيته في مقبرة صديقه العلامة أحمد تيمور باشا.
ونذكر في هذا الباب أيضاً العلامة الشيخ محمد رشيد رضا الذي رحل من طرابلس لبنان إلى مصر، فأنشأ بها مجلة المنار، وظل علماً من أعلام الفكر، له مدرسته الخاصة التي لها أثرها للآن. توفي سنة ١٩٣٥ م.
ونذكر أيضاً الشيخ الدمشقي محب الدين الخطيب الذي أنشأ بمصر المطبعة السلفية ومكتبة ومجلة الفتح والزهراء، ورأس تحرير مجلة الأزهر. ت ١٩٦٩ م.
فهؤلاء مُثل لما كان عليه الحال في هذا التاريخ القريب. فتأمل كيف صارت أمورنا الآن!
ومن يتأمل كتب التراجم والطبقات يجد في هذا الباب (الرحلة في طلب العلم) عجباً، مما يجعله جديراً بأن يكون موضوعاً لبحثٍ أو أطروحةٍ علمية، على أني أريده بحثاً إحصائياً أولاً، بمعنى تتبع الذين ارتحلوا في طلب العلم، وحصر أعدادهم، ومدة ارتحالهم، وعدد المواطن التي ارتحلوا إليها، وأكثر المَواطن اجتذاباً للعلماء في كل عصر، وعدد الذين عادوا إلى موطنهم الأصلي، وعدد الذين استجدّوا لهم موطناً ... إلخ.
ثم يأتي بعد ذلك أثر الرحلة في علومهم، ومن تأثر، ومن أثر ... إلخ.
جـ- إذا تأملت البندين السابقين سهل عليك أن تعلم أن تلامذة الشافعي الذين كانوا يجلسون إليه ويتلقَّون عنه لم يكونوا جميعاً مصريين، وأن من سمعه وأخذ عنه من المصريين لم يبقوا جميعاً في مصر، وهذا نقوله عن مجرد ملاحظة ويحتاج الأمر إلى إحصاء وتتبع، لسنا له الآن.
ولكن المقطوع به أن الذين حملوا المذهب عن تلاميذ الشافعي غير المصريين كانوا أضعاف أضعاف المصريين، ويكفي دليلاً على ذلك ما رواه النووي في تهذيب الأسماء واللغات عن محمد بن أحمد بن سفيان الطرائقي البغدادي أنه كان يقول: "سمعت