والمتقدم ليس خليفة، وإنما هو عاقد صلاةَ نفسه، جارٍ على ترتيب نفسه فيها، وقد انقطعت قدوة المقتدين بإمامهم، فإن اقتدَوْا بهذا الرجل، فسبيلهم كسبيل منفردين، يقتدون في أثناء الصلاة، وقد ذكرنا ما فيه من اختلاف القول فيما تقدم.
وإن فرضنا هذه الواقعة في الجمعة، ففي صحة الظهر لهذا المتقدم قولان، وفي صحة صلاته على أحد القولين قولان. فإن لم نصحح صلاتَه، فلا يصح اقتداء أحدٍ به، وإن صححنا صلاته، فنقول: إن جرى هذا في الركعة الأولى -والتفريع في جميع ذلك على ما ذكره الأصحاب- فقد انقطعت قدوة القوم، فلا جمعة لهم؛ فإنهم لم يدركوا ركعة مع إمام الجمعة، ولم تصح الخلافةُ على هذه الصورة في حق هذا الداخل. وقد نقول: لا يصح ظهر القوم، والجمعة لا مطمع فيها وفي صحة نفلهم كلام على ما تكرر. فإن صحت صلاتُه، فنوَوا الاقتداء بهذا المتقدم على الصورة التي ذكرناها، فهؤلاء نَوَوا القدوة في أثناء الصلاة، وفيه من الكلام ما مضى.
وإن أحسوا بحقيقة الحال، فقطعوا الصلاة، وابتدأ هذا الداخل المحتقدم، ونوى الجمعة، واقتدى القوم به ابتداءً، صحت الجمعة للمتقدم، والمقتدين به، إذا جوزنا أن يخطب رجل، ويصلي الجمعة غيرُ من خطب، فإن لم نجوز، فلا جمعة لهم. ثم لا يخفى بقية التفريع.
فهذا تفريع الحكم لو جرى ما ذكرناه في الركعة الأولى.
١٤١٥ - فأما إذا جرى في الركعة الثانية، فقد ذكرنا من مذهب الأصحاب أن جمعة القوم صحيحة، وإن انفردوا بالركعة الأخيرة، فلو تقدم الداخل ونوى الجمعة، فاقتدى القوم، فقد نقول: لا تصح صلاة المتقدم الذي نوى الجمعة، فلا يصح اقتداؤهم، مع العلم بذلك، وبطلت صلاتهم.
وإن قلنا: تصح صلاة المتقدم ظهراً أو نفلاً، فالقوم قد انقطعت قدوتهم، ولم يصح الاستخلاف، فإن اقتدَوْا به، كان هذا اقتداء طارئاً على الصلاة بعد ثبوت حقيقة الانفراد، وفي جواز ذلك القولان الجاريان في سائر الصلوات.