للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بيت المال مال، فهؤلاء محالون عليه، والدليل عليه أن من اضطر وانتهى إلى خوف الهلاك، فله أن يأخذ مال غيره، ولو جاع، لم يكن له ذلك.

ولو خلا بيت المال عن المال، ففي هذا نظر كلي إيالي (١)، استجمعت أطرافاً منه في (الغياثي). وإنما نبهت على هذا المقدار لمسيس الحاجة إليه.

فنقول: إن كان غيبة المرء عن المريض تؤدي إلى هلاكه، فلا شك أنه يترك الجمعة، ويقوم عليه سواء كان أجنبياً، أو كان بينه وبينه قرابةٌ، أو سبب، مما سبق ذكره.

ولو قيل: ليس القائم عليه بأولى في كفاية ذلك من غيره، فليحضر الجامع، وليكل أمرَه إلى آخر. قلنا: هذا يتوجه إذن في حق كل من يقوم عليه، وفيه ما يؤدي إلى ضياعه، فإذاً يجوز أن يبتدره من يوفَّق لذلك، ويترك الجمعة.

وإن لم يكن المريض بحيث يخاف عليه لو ترك، ولكن كان يناله ضرر ظاهر في ذلك، على حد الجوع المضرّ الذي [لا] (٢) يبلغ مبلغ الضرورة كما تقدم وصفه، فهل يجوز لمن يريد القيام على المريض أن يترك الجمعة أوْ لا؟ نقول: إن كان يقوم على المريض من يكفيه، ممن لا يلزمه الجمعة مثلاً، فلا يجوز للكامل (٣) أن يترك الجمعة بسبب القيام عليه؛ لمكان اشتغال قلبه بالغيبة عنه، بخلاف المنزول به القريب.

وإن لم يكن للمريض من يقوم عليه، وكان يناله ضرر لا يبلغ كفايتُه مبلغ فروض الكفايات، ففي جواز القيام عليه، وترك الجمعة بسبب دفع الضرر عنه أوجه، جمعتُها من شرح التلخيص وغيره، أحدها - وهو الأفقه أن يترك الجمعة؛ فإنا لا نشترط في العذر الذي تترك الجمعة لأجله الضرورةَ، وشدةَ الحاجة، ودرءُ ضرر ظاهر عن مسلم ليس بالهين، وإن لم يكن من فروض الكفايات. وهذا القائل لا يفرق بين القريب والأجنبي، وهو اختيار الصيدلاني.

والوجه الثاني - أنه لا يجوز ترك الجمعة لهذا؛ فإن هذا كثير، ولو تركت الجمعة


(١) إيالي: أي سياسي، والإيالة هي السياسة الشرعية.
(٢) مزيدة من: (ت ١).
(٣) الكامل: أي من تجب عليه الجمعة، وتكتمل فيه صفات الوجوب.