للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنه ينطلق عليه اسم الوصية بالتقوى والخير، ولكني ما أرى هذا القدرَ من أبواب المواعظ التي تنبه الغافلين، وتستعطف [القلوب] (١) الأبيَّة العصيَّة، إلى مسالك البرّ والتقوى. وإن كان المتبع مسالكَ الأولين في العُصُر الخالية، فالغرض فصلٌ مجموع يهزّ، ويقع من السامعين موقعاً.

وقد بالغ الشافعي في الاتباع حتى أوجب الجلوس بين الخطبتين، كما سأذكره.

وليس يليق بمذهبه أن يُعدَّ قولُ الخطيب: "الحمدُ لله، والصلاة على محمد، أطيعوا الله" خطبة تامةً، والعلم عند الله.

وقد ذكر الشافعي لفظ الوعظ في الإملاء وفيه إشعار بما ذكرته.

أما الاقتصار على كلمة في الحمد والصلاة مع أداء معناهما، فلا شك في كفايته، فإنما قولي هذا في الوعظ، وهذا الآن يشير إلى ما ذكره بعض المصنفين من أن مقصود الخطبة الوعظُ (٢)، والحمد والصلاة ذريعتان.

١٤٦٥ - فأما قراءة القرآن إذا أوجبناها على المشهور، فالذي ذكره الأئمة: لا بد من قراءة آية تامة. وهذا فيه كلامٌ عندي، ولو قرأ شطراً من آيةٍ طويلة، فلست أُبعد كفايةَ ذلك، ولا أشك أنه لو قال: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: ٢١] لم يكفِ ذلك، وإن عُدَّ آية، ولعل الأقرب أن يقرأ ما لا يجري على نظمه ذكرٌ من الأذكار، وهو المقدار الذي يحرم قراءته على الجنب، ولست أرى للآية الواحدة في هذا الباب ثَبَتاً في التوقيف.

ومما لا بد من إجزائه أنه لو قرأ الخطيب آيةً فيها وعدٌ أوْ وعيد، أو حكمٌ شرعيّ، أو معنى مستقل في وقعةٍ، فهذا كافٍ، ولو قرأ من أثناء قصّةٍ ما يحرم قراءتُه على الجنب، ولكن كان لا يستقل بإفادة معنى على حياله، فهذا مما أتردد فيه.

١٤٦٦ - وبلائي كله من شيئين: أحدهما - أن بَني الزمان ليس يأخذهم في طلب الغايات، [لا. بل] (٣) في طلب حقيقة البدايات ما يأخذني، فلا يهتدون


(١) ساقطة من الأصل، ومن (ط).
(٢) لا يفوتنا أن نسجل هنا هذا الإنصاف من إمام الحرمين لـ (بعض المصنفين): أبي القاسم الفوراني - فمع "كثرة الحط عليه" على حد قول السبكي إلا أنه هنا يستشهد بقوله، ويستند إليه، ويعجب به.
(٣) في الأصل، وفي (ط): لكن. والمثبت من (ت ١).