للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لما] (١) أبغيه من مداركها، بل أخاف أن يتبرّموا (٢) بها.

ثم الأولون لم يعتنوا بالاحتواء على ضبط الأشياء، والتنبيه على طريق التقريب فيها، ويشتد ذلك جداً في الإحالة على الأمور المرسلة، التي لا يثبت توقيف خاص شرعي فيه، كما نحن الآن مدفعون إليه من لزوم الاتباع وتركِ الاقتصار على أدنى مراتب الأذكار، ثم لم تثبت ألفاظ مضبوطة حسب ثبوتها في التشهد والقنوت وغيرهما، فجرّ ذلك ما أنهيتُ الكلام إليه من التردّدات (٣).

١٤٦٧ - وأما الدعاء، فيكفي فيه الدعاء للمؤمنين كافةً، بجهةٍ من الجهات، وأرى ذلك متعلّقاً بأمور الآخرة، غيرَ مقتصر على أوطار الدنيا، والعلم عند الله.

فهذا بيان أركان الخطبة.

١٤٦٨ - وكان شيخي يقول: لو قرأ الخطيب في كل ركن من الأركان آية مشتملةً على المعنى المطلوب، فأتى بآيٍ من القرآن على هذا الترتيب لا يُجزيه.

والأمر مقطوع به في المذهب. كما قال؛ فإن الذي جاء به لا يسمى خطبة، وقد تقرر أن الخطبة أوجبت ذكراً، وإن لم يعيَّن، فهو من هذه الجهة كالتشهد والقنوت، غير أن الأذكار متعيّنة فيهما، وهو غير متعيّن في الخطبة، وإلا فالكل سواء في أنه شرع ذكراً، ولكنه عُيّن في التشهد، وأُبهم في الخطبة، وفيه فقهٌ حسن؛ فإن الخطباء لو لزموا شيئاًً واحداً، وأنس به الناس، وتكرر على مسامعهم، لأَوْشَك ألاّ تحصل فائدة الوعظ؛ فإن النفوس مجبولة على قلة الاكتراث بالمعادات، فهذا كذلك، وإن كنت لا أشك في أن الخاطب لو لزم كلمات معهودة في ركن الوعظ، أو كان يُعيدُها، فيكفيه ذلك؛ فإنه قد يختلف السامعون، ويتبذلون في كل وقت.


(١) في الأصل، وفي (ط): بما. والمثبت من (ت ١).
(٢) في الأصل، و (ط): "يبين مواتها". وهو تصحيف عجيب.
(٣) قال الإمام: إن بلاءه من شيئين، ثم ذكر أحدهما، ولم يذكر الثاني، فهل أضرب عن ذكره؟ -وهو ما أرجحه- وذلك سائغ معهود، أم هو ما أشار إليه من عدم اعتناء الأولين بضبط الأشياء؟ أنا لا أظن ذلك؛ فدائماً هو يعتذر عن الأولين بأنهم أدَّوْا ما عليهم بحسب ما كان مطلوباً منهم في زمانهم. والله أعلم.