للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان الخطيب يخطب، فسبقه الحدث في أثناء الخطبة، فلو أتى بركنٍ في حالة الحدث، فلا أشك أنه لا يعتد بما جاء به في الحدث، ولكنه إذا جدد الوضوءَ، فيستأنف الخطبة، أو يبني عليها، ويأخذ من حيث جرى الحدث؟

وذكر شيخي في ذلك وجهين مبنيين على أن الموالاة هل تشترط في الخطبة؟ وهذا منه دليل على أنه ليس يتلقى اشتراطَ الطهارة من نفس الموالاة؛ فإنه كان يقول: إن شرطنا الموالاة، وقد اتفق الوضوء على قربٍ من الزمان لا تنقطع بتخلل مثله الموالاة، فهل يجب استئناف (١) الخطبة؟ فعلى وجهين، أحدهما - يجب كالصلاة يطرأ عليها الحدث.

والثاني - لا يجب؛ فإن الخطبة لا عقد فيها، وإنما المرعي فيها الموالاة، لغرض تواصل الكلام، وإفادة الوعظ، وإذا لم يتخلل زمان طويل، جاز البناء، وإن جرى الوضوء في زمان طويل، فلا شك أنا نأمره بالاستئناف على قول اشتراط الموالاة.

وحفزني على هذا شيء، وهو أن الموالاة إذا اختلت في الطهارة بعذر، فالطريقة المرضية أن ذلك لا يقدح في الطهارة، وإن شرطنا الموالاة فيها، ولكن الذي أراه أن الموالاة إذا انقطعت بعذرٍ في الخطبة، فلا أثر للعذر، وفي انقطاع الخطبة ووجوب الاستئناف الخلاف؛ والسبب في ذلك أن الطهارة غيرُ معقولة المعنى، ولا يختل بترك الموالاة فيها غرض، ولكن من حيث إن الطهارة عُهدت متوالية، كما عهدت مرتبة، اشترطنا في قولٍ الموالاة فيها، فإذا فرض عذرٌ، لم يمتنع أن يعذر صاحب الواقعة، على أنه قد ورد على حسب ذلك أثرٌ عن ابن عمر (٢). وأما اشتراط الموالاة في الأذان والخطبة؛ فإنه متعلق بمعنى معقول، فإذا اختل ذلك المعنى المعتبر، لم يظهر فرق بين المعذور وغيره.


(١) أي ابتداء الخطبة من جديد.
(٢) يشير إلى أثر ابن عمر - رضي الله عنهما - في تفريق الوضوء لعذر، ففي الموطأ عن نافع عن ابن عمر "أنه بال في السوق فتوضأ، فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ثم دخل المسجد فدعي لجنازة، فمسح على خفيه، ثم صلى" رواه مالك، وعنه الشافعي، وعلقه البخاري بلفظ آخر (ر. الموطأ: ١/ ٦٠ ح ٤٣، الأم: ١/ ٢٧، البخاري: الغُسل، باب تفريق الغسل والوضوء، قبل ح ٢٦٥، التلخيص: ١/ ١٧٣ ح ١١٦).