للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٥٥٦ - ثم ذكر الأئمة صوراً في القولين منها: أنه لو صلى وكان بالقرب منه حِصن يمكنه التحصن به، فلم يره، أو كان بين العدوّ الذين رآهم وبينه حائل من خندق، أو [ماء لا يُخيض] (١) أو ما أشبه ذلك، وهو لم يره.

وكل ذلك يجمعه أنه لو خاف أمراً لو تحقق، لصحت صلاة الخوف معه، ولكن بان أن الأمر على خلاف ما ظنه، ففي صحة الصلاة القولان.

١٥٥٧ - ثم ذكر الأئمة في تفاصيل ذكر الخوف الاستسلامَ وحكمَه، ونحن نذكر منه قدرَ الحاجة الآن، ونبني عليه غرضَ الباب إن شاء الله تعالى.

وذكر شيخي وغيرُه قولين أن من قصده مسلم في نفسه، فهل يجوز له أن يستسلم للهلاك، ولا يذب عن نفسه؟ أحد القولين: إنه يجب الذب؛ فإن الروح لا يحل بذلُه، والدفع سائغ، [فليجب] (٢)؛ فإن الصائل لا حرمة له.

والقول الثاني - يجوز الاستسلام للهلاك، لأخبارٍ صحيحة، منها ما رواه حذيفةُ بنُ اليمان أن النبي عليه السلام قال: "ستكون فتن كقطع الليل، القاعدُ فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي". فقال قائل: لو أدركتُ هذا الزمان فماذا أفعل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ادخل بيتك" فقال: لو دخل شيء من ذلك بيتي، فقال: إذا أفرقك شعاعُ السيف، فألق ثوبك على وجهك، وكن عبدَ الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل وفي بعضِ الروايات: "كن خير ابني آدم". يعني هابيل المستسلم المقتول، ولا تكن قابيلَ القاتل (٣).


(١) في النسخ الثلاث: "ما لا يختص". وهو من التحريف الخطير الذي يحدث كثيراً من النساخ، بسبب عدم إلف الموضوع وعدم إلف الإملاء الذي كُتب النصّ المنقول به.
والمعنى: "بينه وبين العدوّ ماءٌ لا يخاض" أي لا يُعبر إلا سباحة. وقد صدّقتنا نسخة (ل).
(٢) في الأصل، (ت ١): فليجر، والمثبت من (ل).
(٣) حديث: "كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل ... " على النحو الذي ساقه إمام الحرمين، مروي عن جمع من الصحابة: عن جندب بن سفيان، وهو عند الطبراني، وعن خباب، وهو عند أحمد، والحاكم، والطبراني أيضاً، وعن خالد بن عرفطة، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن أبي موسى الأشعري، وعن أبي ذر، وأخرج الثلاثة أبو داود، وصحّحها الألباني. =