للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٧٣٥ - ثم قال الشيخ أبو زيد: إنما يصلي على القبر من كان من أهل الصلاة يوم الموت، فلو دفن وتمادى الزمان، ولكن كانت التربة حُرّة، لا يبلى دفينها إلا في الأمد الطويل، فلو كان الإنسان إذ ذاك طفلاً غير مميز، أو لم يكن، فوُلد وشبّ، وبلغ، لا يصلي على قبر ذلك الميت. وإن كان من أهل الصلاة يوم الموت، فيصلي على القبر ما لم يبل، كما تقدم. وهذا حسن.

ومن أئمتنا من لم يساعده على هذا التفصيل، وجوّز الصلاة في الحالتين جميعاً. ثم من جرى على التفصيل الذي ذكره الشيخ أبو زيد اختلفوا فيمن كان صبياً مميزاً يومئذ، ثم بلغ: فمنهم من قال: هذا يصلي على القبر؛ لأنه يوم الموت كان من أهل الصلاة، ومنهم من قال: لا يصلي بعد البلوغ، وهو اختيار الصيدلاني؛ لأنه يومَ الموت، لم يكن من أهل فرضية الصلاة، ولا اعتبارَ بكونه من أهل الصلاة على الجملة، إذا لم يكن من أهل الفرضية.

ومن كان كافراً يوم الموت، ثم أسلم، فالذي أراه أنه يصلي؛ فإنه كان متمكناً من الصلاة بأن يُسْلم، ويصلي، كالمحدث، والمرأة إذا كانت حائضاً يوم الموت، ثم طهرت، فالحيض ينافي صحةَ الصلاة ووجوبَها، ولكن هي على الجملة ممن يخاطَب [بالصلاة] (١) فالذي أراه أنها تصلي، إذا طهرت، عن ذلك.

ومما يتعلق بهذا الفصل، أنا إذا راعينا البلى، فإن تحققنا بقاء الميت، أو بلاه، فلا يخفى حكمه، وإن لم ندر، وترددنا، فقد يخطر للناظر بناء الأمر على بقاء الميت، وهو الأصل. ويجوز أن يقال: الصلاة تستدعي يقين البقاء في القبر.

١٧٣٦ - ومما نذكره في ذلك الصلاة على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ذهب إليه جماهير الأصحاب المنعُ منها، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تتخذوا قبري مسجداً" (٢) وروي أنه قال صلى الله عليه وسلم:


(١) زيادة اقتضاها الإيضاح.
(٢) ورد النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره مسجداً، في الحديث المتفق عليه، الآتي بعد هذا، وروى هذا الحديث مالك في الموطأ، وأحمد في المسند بلفظ: "اللهم =