ذلك على علم وبصيرة، قاطعاً بأنه تارك للنظر، فما أخذه على هذا الوجه لا يسقط به الفرض، بل هو مردودٌ، وربّ المال مطالَبٌ بالسن الذي فيه الغبطة.
فأما إذا اجتهد، وظن أن الذي أخذه الأصلح، وكان مخطئاً في ظنه، فالذي أخذه هل يقع الموقع؟ فيه ثلاثةُ أوجه: اثنان ذكرهما صاحب التقريب.
وذكر العراقيون الثالث معهما. فأحد الوجوه - أن المأخوذ لا يقع الموقع؛ لأنه على خلاف موجب الشرع. والثاني - أنه يقع فرضاً؛ فإنه على الجملة أصل، وقد انضم إلى أخذه الاجتهادُ. والقائل الأول يقول: إذا حصل الوفاق على أنه لو تعمد ترك النظر فيما أخذه، لم يقع الموقعَ، وقد تحققنا خطأه بيقين، فينبغي أن يكون هذا بمثابة ما لو تعمد. وذكر العراقيون وجهاً ثالثاً، فقالوا: إن كان ما أخذه باقياً، ردّه، وطلب الأصلح، وإن فرّقه على المستحقين، فقد وقع الموقعَ، فإنّ تتبعه عسِرٌ.
فإن قلنا: ما أخذه يقع الموقع، فهل يجب على رب المال أن يجبر النقص أم لا؟ فيه وجهان مشهوران: أحدهما - لا يجب ذلك، وهذا فائدةُ وقوع ما أخذه موقع الإجزاء.
والثاني - يجب رعايةً لحق المساكين.
وإن فرعنا على وجوبه، فلو كان ذلك المقدارُ من الجبران بحيث يتأتى شراء شقص من بعير به، فكيف حكمه؟ اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: لا نكلفه ذلك لما في التشقيص من التعذر، بل نأخذ منه في جبران النقصان الدراهمَ والدنانيرَ، بأن ينظر إلى المقدار الذي فات من الغبطة.
ومن أئمتنا من قال: يجب صرفه إلى شقصٍ، فإن الأبدال على طريقة الشافعي لا مدخل لها في الزكوات، ولا معدل عن النصوص (١). فإن قلنا: يتعين صرفه إلى جنس الإبل، فقد اختلف أئمتنا، فقال بعضهم: ينبغي أن يكون ذلك الشقص من نوع المأخوذ؛ حتى يتحد قَبيلُ المأخوذ.