للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يفسد الاعتكاف إلا بالوطء الذي يوجب الحد.

واضطربت الأئمة في ترتيب المذهب. ونحن نفرض مباشرةً وهي التقاء البشرتين، من غير إنزالٍ، ثم نفرضها مع الإنزال.

فإن لم يتفق الإنزال، فمن أصحابنا من خرّج قولين في أنها هل تُفسد الاعتكاف؟ أحدهما - لا تفسده، كما لا تفسد الصومَ.

والثاني - تفسده، لظاهر قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧]. والغالب على الظن أن المراد المباشرةُ، دون الإنزال، والجماع، فإنهما لا يقعان (١)، ولا يخفى على العامة اجتنابُهما، فتخصيص المباشرة بالنهي عنها في الاعتكاف، يشعر بالمباشرةِ العريّه عن الإنزال، فقد عُدّت خصّيصة (٢) بمحظورات الاعتكاف، ثم هي محظورة في الحج، وإن لم تكن مفسدةً له.

فأما المباشرة إذا اتصل بها الإنزال، فالذي يليق بالتحقيق القطعُ بأنها تُفسدُ الاعتكاف، كما تُفسد الصوم، وهي بإفساد الاعتكاف أولى، فإنا قد نُحوَجُ (٣) إلى تكلّفٍ في تعليل إفساد الصوم بالإنزال، فإنه ليس جِماعاً، ولا دخول داخلٍ إلى الجوف، وتعليل إفساد الإنزال للاعتكاف لائحٌ، من جهة أن المنزل مُجنب، ويحرم على الجنب المكثُ في المسجد، والاعتكاف مكثٌ في المسجد، ويستحيل أن يكون المكثُ محرماً منهيّاً عنه [نهياً] (٤) مقصوداً، ثم يقع قُربة، مأموراً بها، وليس ذلك من قبيل الصلاة في الدار المغصوبة؛ فإن النهي لا يتجرد إلى الصلاة قصداً، كما قررناه في فن الأصول (٥).

وذكر بعض أصحابنا قولين في المباشرة مع الإنزال، وزعموا أن الإفساد يختص


(١) كان المعنى لا يقع فيهما -أعني الإنزال والجماع- المعتكف، ويتحاشاهما، لظهور حكمهما، كما هو واضح من السياق.
(٢) الخصّيص: الأخص من الخاص (معجم).
(٣) (ط): نخرج.
(٤) مزيدة من (ط).
(٥) ر. البرهان في أصول الفقه: ١/فقرة ٢٠٨ - ٢١٢.