للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيما حكَوْه عن ابن سريج في الحج، من تخليف رأس المال احتمالٌ ظاهر؛ فإن تكليف الرجل الانسلاخَ، عن ذات يده، والألتحاقَ بالمساكين، فيه عُسر. على أن الظاهر أنه مصروف إلى الحج.

ثم القول في اعتبار رأس المال في الكفارات المرتبة، كالقول في الحج، بل الأمر في الكفارات أظهر؛ من جهة أن المبدل فيها إذا لم يتفق، فالبدل القائم مقامه لا يعطل الكفارة.

٢٤٢٩ - وقال العراقيون: إن فضل شيء، ولكن كان الرجل يخاف العنت [لو] (١) لم يتزوج، وكان على حالةٍ قد نبيح فيها للحر التزوج بالأمة، عند فقد طَوْل (٢) الحرة، فلا يلزمه أن يحج، بل نُسوِّغ له صرفَ ما يملكه إلى مؤونة التزويج؛ وذلك، لأنا إذا سوَّغنا إيثار تزوج الأمة، مع ما فيه من التسبب إلى إرقاق الولد، أشعر ذلك بأن محاذرة العنت (٣) مهم، والكاشف له أنه في حكم ضرورة ناجزةٍ، والحج وإن تحقق وجوبه، فهو على التراخي، وحكم ما يتنجز التقديمُ على ما يتراخى، فإذاً لا استطاعةَ، ولا وجوب.

وهذا الذي ذكروه قاطعين به قياسُ طرقنا، وإن لم نجده منصوصاً فيها.

٢٤٣٠ - ومما يتعلق بتمام البيان في ذلك أنا لم نوجب المشيَ في المسافة الطويلة، وقد اعتبر الأئمة في الطُّول مسافة القصر، وقَضَوْا بأن ما ينحط عنها من المسافة يجب المشي فيها على القادر القوي، وإن كان على الماشي في المسافة القصيرة ضررٌ


(١) في الأصل، (ك): أو.
(٢) إشارة إلى الآية الكريمة: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٥] والطول: الغنى واليسار، ومؤنة النكاح، والأصل أن يعدى بـ (إلى) فيقال: وجدَ طَوْلاً إلى الحرّة، ولكن الفقهاء أضافوه تخفيفاً. (المصباح).
(٣) العنت في اللغة: المشقة الشديدة، قال المبرد: العنت هاهنا: الهلاك: أي يخاف أن تحمله الشهوة على مواقعة الزنا، فيكون الحد في الدنيا، والإثم العظيم في الآخرة. وقيل: معناه: أن يعشق الأمَةَ، وليس في الآية ذكر العشق، ولكن ذا العشق يلقى عنتاً. وقال الفراء: هو الفجور هاهنا. (ر. الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي: ٣١١/فقرة: ٦٨٢).