فإني لم أقله رأياً واستنباطاً، وإنما نقلته من فحوى كلام الأئمة.
والذي يوضح ذلك أن الشافعي لما نص في القديم على تخصيص المتمتع بصيام أيام التشريق، عد ذلك رُخصةً في حقه، ولو كان الصيام مقضياً، لما كان لذلك معنَى؛ فإن أيام القضاء لا نهاية لها.
هذا تمام ما أردناه في أداء صيام الأيام الثلاثة، المقيدة في نص القرآن بالحج.
٢٥٠٦ - فأما صومُ الأيام السبعة، فإنه مقيد في القرآن بالرجوع، قال عز من قائل:{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}[البقرة: ١٩٦]. وقد اختلف العلماء في معنى الرجوع، ونحن نذكر ما جرى من تلك المذاهب: قولاً لصاحب المذهب، أو وجهاً لبعض أئمة المذهب.
قال الشافعي في قولٍ:" الرجوع هو الفراغ من الحج ". وقال في قولٍ:" الرجوع هو الرجوع إلى الوطن "، وفي بعض التصانيف قول ثالث:" إنه الرجوع إلى مكة "، وهذا لا أصل له في مذهب الشافعي. وهو قولُ بعض السلف.
فإن قلنا: الرجوعُ معناه الفراغ من الحج، فلا شك أنه لو أوقع صيامَ السبعة مع الثلاثة في صلب الحج، في اتساع المدة، لم يُعتد بالسبعة؛ فإنها مقدَّمةٌ على وقتها، ولا يجوز تقديمُ العبادة البدنية على وقتها.
وكان يقول شيخي: إذا قلنا: أيامُ التشريق تقبلُ كلّ صوم، فلو أوقع فيها ثلاثةَ أيامٍ من السبعة، والتفريع على أن الرجوع هو الفراغ، فلا يجزئه صومُه؛ فإن العاكفَ بمنى، وإن لم يكن في حج، فهو في أشغال الحج. ولذلك لا يصح منه الإحرام بالعمرة، مادام عاكفاً على مناسك مِنى.
وإذا قلنا: الرجوع معناه الوصول إلى الوطن، فلو فرغ من الحج، واستقبل صوبَ الوطن، فأراد أن يصومَ الأيامَ السبعة، في طريقه، فقد ذكر الصيدلاني وجهين في ذلك: أحدهما - أنه لا يجزئه؛ فإن صيام السبعة مقيَّدٌ بالرجوع مؤَقَّتٌ به.
والثاني - يجوز؛ فإن إمهاله الوصولَ إلى الوطن رخصةٌ، والتأقيتُ الحقيقي بالفراغ من الحج.
وهذا الوجه عندي هو بعينه تفسير الرجوع بالفراغ، ولكن يرجع الخلاف إلى