للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٧٦٢ - فأما إذا مات بعد الوقوف بعرفة، فليتأمل الناظر عند ذلك ما يُلْقَى إليه؛ فإنه مظنة إشكال، وقد اضطربت الطرق لأجله: قال العراقيون: المستناب لا بد وأن يُحرم؛ فإن بقية الأعمال لا تتأتى إلاّ من محرم، والإحرامُ بالحج -وقد انقضى أشهر الحج بطلوع فجر يوم النحر- محالٌ، على مذهب الشافعي.

قالوا: فالوجه أن يحرم المستناب بعمرة، ويطوفَ، ويسعى، وكان بقي على الذي مات الطوافُ والسعي ركنين، فيقع طوافُ المستناب المعتمِر وسعيُه سادّاً مسد الطوافِ والسعي، اللذين كانا بقيا على الميت مع حجه، والمستناب ينويه بالعمرة.

وهذا فيه إشكال ظاهر؛ من جهة أن العمرة يبعد أن تسد مسد الحج.

وذكر المراوزة مسلكاً آخر، فقالوا: المستناب يُحرم بالحج إحراماً ناقصاً، وزعموا أن تجويز الاستنابة لا يطَّرد إلاّ على تجويز ذلك، ثم هؤلاء قالوا: الإحرام بالحج إنما يمتنع في غير أشهر الحج إذا كان إحراماً تامّاً، فأما الإحرام الناقص، فلا امتناع فيه. وهذا كما أن الإحرام الناقص يبقى دائماً مع [انقضاء] (١) أشهر الحج، فتقدير الابتداء على النقصان كتقدير الدوام.

ْثم من سلك مسلك العراقيين، ذهب إلى أن المستناب المعتمرَ، لا يبيت ولا يرمي، ولا يأتي بشيء من مناسك منى؛ فإنها أتباعُ انتهاء الحج. والعمرة لا تقتضي شيئاً من ذلك.

ومن قال من المراوزة: إن المستناب يُحرم إحراماً ناقصاًً ببقية الحج، فالمستناب يأتي بمناسك منى؛ فإنه في الحج. وذكر هؤلاء أنه لو مات الحاج بعد أن تحلل أحدَ التحللين، فالمستناب يأتي بإحرامٍ حُكْمه أن لا يَمنَع اللُّبسَ والقَلْمَ على التفصيل المذكور.

وهذا جارٍ على قياسهم.

٢٧٦٣ - ولو مات الحاج بعد التحللين، فلست أرى على قياسِ المراوزة وجهاً لجواز الاستنابة في المناسك الواقعة وراء التحللين؛ فإن ذلك لا يتأتى إلاّ ممن سبق


(١) ساقط من الأصل، (ك).