للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوصيّة العَرْضُ على البيع، والهِبَة قبل القبض (١)، ولو وطىء الموصي الجاريةَ الموصَى بها، فإن عزل عنهَا، فلا يكون رجوعاً عن الوصيّةِ، وإن لم يعزل وأنزل، كان رجوعاً.

والذي يدور الباب عليه أن كلَّ ابتداء لو تم، لكان مُزيلاً، فهو في ابتدائه يكون رجوعاً عن الوصيّة.

ولو أوصى بحنطة، ثم طحنها، كان ذلك رُجوعاً؛ لأنه عرَّضَها للتلف، فجُعِل كتحقيق التلف. والوطء لم يكن في عينه رجوعاً، وإنما الرجوع في الإنزال؛ من حيث أشعر بقصد الاستيلاد، وليس من الممكن أن يجري الاختيار في زمان الخيار مجرى ما يكون رجوعاً عن الوصيَّة.

والدليل عليه في النفي والإثبات أن الوطء اختيارٌ في ظاهر المذهب معَ العَزل، وليسَ رجوعاً عن الوصيةِ، والسبب فيهِ أن الوصية لا تتضمَّن تحريماً على الموصي، والجارية الموصَى بها مباحة على الموصي، فإذا كان يطؤها، فليس [في ذلك] (٢) ما يتضمن منعَها عن الوصيةِ بعد الموتِ، فكان الاستمرار على الوطء غيرَ مشعر بالرجوع. والبيع يتضمّنُ في وضعِه إزالةَ الملك، وكل بائع موطَنٌ نفسَه على الانكفاف عن التي باعَها، فإذا وطئَها أشعرَ ذلك بردّه إياها على ما كانت عليه قبل البيع.

فإن قيل: أليس الظاهِرُ أن البائع إذا وطىء وله الخيار فوطؤُه مباحٌ؟ قلنا: فيه كلام. ثم تقدير الإباحةِ فيه يخرج على قَصْدهِ الردَّ، وأمَّا الوصيَّة، فإنها تنشأ على استمرار الموصي على الانتفاع مادام حياً، فهذا فرقُ ما بين البابين.

والعرض على البيع رجوعٌ عن الوصيَّة، وفحوى كلام الأئمة القطعُ بأنه ليس اختياراً، والسبب الفارق أن الوصيةَ ضعيفةٌ؛ من حيث إنه لم يُوجد في حياة الموصي إلا أحَدُ شِقي العقد، والبيع وإن كان جائزاً، فقد تم انعقادُه بشقَّيه. وتحصيل القول


(١) نص عبارة الشافعي: " ولو أوصى لرجلٍ بعبدٍ، ثم أوصى أن يباع ذلك العبد، كان هذا دليلاً على إبطال وصيته به، وذلك أن البيع والوصية لا يجتمعان في عبدٍ، ولو أوصى لرجل بعبدِ، ثم باعه، أو كاتبه، أو دبَّره، أو وهبه، كان هذا كلُّه إبطالاً للوصية ". (الأم: ٤/ ٤٥َ).
(٢) زيادة من المحقق، اقتضاها السياق.