للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيهِ أن الشرع سوَّغ أن يتخلل بين الإيصاء والقبول الزمانُ الطويلُ وموتُ الموصي. ثم إن جرى من الموصي ما يُشعر بمناقضة الوصية، كان ذلكَ بمثابَةِ تخللِ زمانٍ طويل بين الإيجاب والقبول في البيع، فبهذا السبب كان الرجوع في الوصيَّة أوسع باباً من الاختيار في البيع.

٢٩٣٢ - ونحن نذكر الآن أربعَ مراتبَ، نجمع فيها قواعدَ المذهب:

الأولى - فيما يثبت على الفور كالرّد بالعيب، فكل ما ينافي الفورَ وُيشعر بالتأخير، فهوَ مُسقطٌ، وسنذكر ما يليق به في موضعه.

والثانية - الرجوعُ عن الوصيَّة، وهذا يعتمدُ ما يُشعر بمناقضةِ مقصود التنفيذ والاستمرارِ على الوصيَّة.

والثالثة - الاختيارُ في زمان الخيار، والأصل فيه ألا يحصل إلا بتصريحٍ أو تصرفٍ مزيلٍ للملكِ، والوطء قياسُه ألا يكون اختياراً، ولكنّ المذهب فيه ما قدَّمناه، وتقريب تعليلهِ على أقصَى الإمكان أن الوطء لا يصدُر إلا ممن يؤثرُ استبقاء أو ردّاً، ويبعد حَملُهُ على الاختيار، وكذلكَ يَبعُد حمله على الهم بالاختيار، وليس كالأمر بالبيع؛ فإنه يدل على الهم بالاختيار، ولا يَدُل على جَزمِ الرأي فيه، والهمُّ يقطعُ الوصيةَ لضعفها، والوطء ليس همّاً، بل لا يُقدم عليه إلا مُوطِّنٌ نفسَهُ على أمر. نعم قد يكون الوطء فجرة (١) من الواطىء، ولكن من له الخيار لا يُحمل أمرُه على هذه الجهة، كما أن الإعتاق قد يوجهه المرءُ على ملكِ غيره هازلاً، ولا يُحمل الإعتاق في زمان الخيار إلا على الاختيار.


(١) كذا مع ملاحظة أنها في (هـ ٢) بدون أي نقط، وفي الأصل بنقطة على الفاء. وأقرب ما تعطيه هذه الصورة في المعاجم (فجرة) كما رجحناه، وهي بمعنى المرة من الفجور من فجر الرجل إذا زنا، والمعاجم لم تذكر إلا (ركب فلانٌ فجرةَ) [بدون تنوين] إذا كذب كذبة عظيمة.
هذا. وقد راجعت مع الأساس واللسان والمحيط والوسيط والمصباح والمختار، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، وغريب الحديث لأبي عبيد، وغريب الحديث للخطابي، وتهذيب الأسماء واللغات، والألفاظ التي فسرها ابن خلكان في الوفيات، ومعجم الأمثال العربية، فلم أظفر من كل ذلك بما يشفي الغلة، فعسى أن يكون ما قدرتُ صواباً. والعلم عند الله.
والمراد أن الوطء قد يكون (نزوة)، وليس معناه إرادة الاستبقاء، أو إرادة الإجازة.