للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المماثلة حقها أن يعتبر فيها حالُ كمال الشيء، فالتمر حالةُ كماله جفافه، فإذا بيع الرطب بالتمر مع التساوي في الحال، ثم فرض جفاف الرطب، نقص مقداره عند جفافه عن التمر الذي قابله، وكأنا تخيّلنا على الجملة أنَّ تعبّدَ الشارع في منع التفاضل يعتمد بشرف الطعام، فنعتبر التماثل في أشرف الأحوال، ثم بنى الشافعي على ما مهّدَهُ في ذلك منعَ بيع الرطب بالرطب؛ فإنهما إذا جفّا، لم يُدْرَ هل يتماثلان.

٢٩٤٩ - فنقول: بعد تمهيد القاعدة: كل رطب يعتاد تجفيفه لا يجوز بيع بعضه ببعض، وكذلك القول في العنب.

فأما الرطب الذي لا يجفف ولو فُرض تجفيفُه، لاستحشف وفسد، فهل يجوز بيع بعضِه ببعضٍ؟ فيه وجهان: أحدهُما - الجواز، وهو القياس؛ لأن هذا النوع كماله في إرطابه، وليست له حالة منتظرة أكمل من هذه.

وقد أجرى بعض أصحابنا لفظ الادّخار في أدراج الكلام، وهو غير معتمد؛ فإن اللبن يباع بعضه ببعضٍ، كما سنذكره، ولا يتأتى فيه الادخار، ولكن لما كان ذلك أكملَ أحوالهِ، روعي كمالُه، ولم يثبت أيضاً توقيف في النهي عن بيع الرطب بالرطب خصوصاً، وإنما النهي في بيع الرطب بالتمر. والوجه الثاني أن البيع باطل، نظراً إلى جنسِ الرطب، و [امتناعاً] (١) من تتبع التفاصيل في أنواع الجنس؛ فإن القول في ذلك يطول.

ولم يختلف أئمتنا في منع بيع الرطب الذي لا يجفف بالتمر، وكان القياس يقتضي تجويزَه عند من يجوّز بيعَ الرطب بالرطب، إذا كان لا يجفف. وما ذكرته مدلول كلام الأئمة، ولم أجد لهم نصاً في منع بيع التمر بالرطب الذي لا يجفف.

٢٩٥٠ - وأمَّا المشمش والخوخ، فقد يجري العرف في تشميسهما، ولكن لا يعم [عمومَ] (٢) تجفيف الرطب والعنب، فذكر الأئمةُ ثلاثة أوجهٍ فيها: أحدُها - أنه لا يجوز بيع الرطب منها بالرطبِ من جنسهِ؛ إذ له حالة جفاف منتظرة، فأشبه الرطبَ


(١) في الأصل: وامتناعنا.
(٢) مزيدة من: (هـ ٢).