تقديرُه شرعاً، وكان يتأتى فيه الكيل والوزن جميعاً، ففيه أوجه: أحدها - أن يكالَ؛ فإن الكيل كان غالباً في معظم المطعومات، فنعتبر موضع الإشكال بالغالب. والثاني - أنه يتعين الوزن؛ فإنه أحصرُ من الكيل، فإذا لم يثبت الكيل بالتوقيف، فطلبُ الأحصَرِ أولى. والثالث - أنا ننظر إلى العادة الغالبةِ في موضع المعاملة؛ فإنه إذا عسر اعتبار عرف الشارع، وقد وجدنا العرف أصلاً متبعاً، فالأقربُ اعتبار عرف الوقت.
وذكر شيخي وجهاً رابعاً - وهو أنا نتخيَّر بين الكيل والوزن؛ إذ ليس أحدهما أولى من الثاني. وهذا بعيد جداً لم أره لغيره. وإذا جرى التقديران، فلا بد من تفاضل يجري لأحدهما. ولو منع مانعٌ أصلَ البيع لاستبهام طريق التماثل، لكان أقربَ مما ذكره، ولكن لا قائل به من الأصحاب. فأما إذا كان للشيء أصل يعرف طريق تقديره في عصر الشارع، ولكنه في نفسه لا يُدرَى بماذا كان يُقَدَّر في العصر الأول، ففيه الأوجه المتقدمة، وزاد شيخي وصاحب التقريب والصيدلاني وجهاً آخر أنهُ يتعيّنُ أن يقدَّر بما يقدر به أصله.
فصل
٢٩٤٨ - في بيان الحال التي تباع في مثلِها أموال الربا، بعضُها ببعض، ويتصل به التفريع على القول القديم؛ فنقول: قد منع الشافعيُّ في معظم العلماء بيعَ الرطب بالتمر، واعتمد فيه الحديث المشهور، وهو ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال:" أينقصُ الرطبُ إذا جف؛ فقيل نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: فلا إذن "(١). ثم استنبط الشافعي من مورد الحديث أن
(١) حديث أينقص الرطب إذا يبس؟ رواه مالك في الموطأ: ٢/ ٦٢٤، والشافعي في الأم: ٣/ ١٥، وأحمد في مسنده: ١/ ١٧٥ - ١٧٩، وأبو داود: البيوع، باب في التمر بالتمر، ح ٣٣٥٩، والترمذي: البيوع، باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة، ح ١٢٢٥، والنسائي: بيوع، باب اشتراء التمر بالرطب، ح ٤٥٤٥، ٤٥٤٦، وابن ماجة: التجارات، باب بيع الرطب، ح ٢٢٦٤، والدارقطني: ٣/ ٤٩، ٥٠، والبيهقي: ٥/ ٢٩٤، ٢٩٥ وقد صححه الألباني (ر. تلخيص الحبير: ٣/ ٢٠ ح ١١٤٣).