للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهما جنسان مختلفان، قلنا: اللبن يُعدُّ جنساً واحداً، وليس يَبين فيه اجتماع أخلاطٍ، ولو سلكنا هذا المسلكَ، لمنَعنا بيع السمسم بمثله، لاشتماله على الثُّقل والدُّهن، ولقُلنا: لا يجوز بيع التمر بالتمر؛ لاشتماله على المطعوم والنَّوى.

واتفق الأصحاب على منع بيع الشَّهد (١) بالشهد، وعللوا بأنه شمع وعسل. وأوقع عبارة في الفرق بين الشهدِ واللبن أن الشمع غيرُ مخامر للعسل في أصله؛ فإن النحلَ ينسِج البيوت من الشمع المحض، ثم يُلقي في خَللَهِ العسلَ المحضَ، فالعسل متميّز في الأصل، ثم من يشتارُ (٢) العسلَ يخلطه بالشمع بعضَ الخلط بالتعاطي والضَّغط، وليس اللبن كذلكَ.

فإن قيل: قد ذكرتم أن اللبن في حكم جنسٍ واحد، لا اختلاطَ فيهِ، فجوّزوا بيعَ اللبن بالسمن بناء على أن اللبن جنسٌ واحد. قلنا: هذا فيه بعض الغموض من طريق التعليل، ولكنه متفق عليه.

وفي معناه بيعُ السمسم بالشَيْرج، مع تجويز بيع السمسم بالسمسم، وأقصى الممكن فيه أن اللبن إذا قوبل بالسمن، فلا يمكن أن يُجعل مخالفاًً للسمن؛ فإنّ اللبن إذا مُخض يُجمع منه السمن، فإذا لم يكن مخالفاًً للسمن، فإنما يُجانسُه بما فيه من السمن، لا بصورته وطعمه؛ فإن صورته تُخالف صورة السمن، وإذا اعتبرنا السمنَ لما ذكرناه، انتظم منه أنه بيعُ سمنٍ بسمنٍ ومخيض، وأما بيع اللبن باللبن، فيعتمد تجانس اللبن في صفته الناجزة، ولا ضرورة تُحوِج إلى تقدير تفريق الأجزاء، فافهموا ذلك.

فإن قيل: ذكرتم أن منع بيع الشهد بالشهد معلّلٌ بأنه بيعُ شمع وعسل، ثم حققتم ذلك بتميّز العسل في الخلقة عن الشمع، والنوى في الفطرة متميز عن المطعوم في التمر؟ قلنا: الأمر كذلك، ولكن صلاح التمر في ادّخاره في بقاء النوى فيه، فاحتمل ذلك هذه الضرورةَ، وصلاح العسل في تصفيته. ويمكن أن يقال: الشمعُ في العسل بمثابة العظم في اللحم.


(١) الشهد: بفتح الشين وضمها. (لغتان) (المصباح).
(٢) يشتار العسل أي يجنيه، من قولهم: شُرتُ العسلَ أشوره شَوْراً من باب (قال) إذا جنيتُه وأخرجته من خليته. (المعجم).