فإن قيلَ: إذا خَثُر الشيءُ، كان أثقلَ، والذي يحويه المكيال من الشيء الخاثر يزيد على الرقيق من جنسه بالوزن زيادةً ظاهرةَ، فما الوجه في ذلك؟
قلنا: منع بيع الدبس بالدبس غير مبني على التفاوت في الوزن مع التساوي في المكيال؛ فإنا لو اعتبرنا ذلك لجوَّزنا بيع الدبس بالدبس وزناً، إذا كان يوزن. ولكنا اعتمدنا في ذلك خروجَ الدبس عن حال الكمال، ولا ندري كم في كل دبس من أجزاء العصير.
وأما الرائب الخاثر، فقد قطع الأصحاب بجواز بيعه باللبن، وجواز بيع بعضه بالبعض، ويتَّجهُ في بيع بعضه بالبعض أن يقال: الانعقادُ جرى في اللبن على تساوٍ، ولا يربو في الإناء إذا انعقد رائباً، ولا ينقص؛ فإنه طبيعة في نفس اللبن عقَّادة. وليس من جهة ذهاب جزءٍ وبقاء جزءٍ.
فأما بيع الخاثر باللبن، فإن كان يوزن، فيظهر تجويزه، وإن كان يكال، فبيعُ اللبن الحليب بالرائب الخاثر كيلاً فيه احتمال ظاهر في المنع، ووجهُ التجويز تشبيهُ الخاثر بالحنطة الصلبةِ العَلِكةِ، تباع بالرخوة. وتحقيقهُ فيه أن الرائب لبن خاثر، فكأنه لا يُعدُّ بعيداً عن اللبن الحليب، فيشبهان الحنطة الصُّلبة والرخوة.
وبيعُ المخيض بالمخيض جائز، إذا لم يكن فيهما ماء، ولا في أحدهما. وبيعُ السمن بالسمن جائز، والمخيض والسمن مختلفان؛ فيجوز بيع أحدهما بالثاني متفاضلاً.
واتفق الأئمة على جواز بيع المخيض بالزُّبد، ولا نظرَ إلى ما في الزُّبد من رغوة، وهي إذا مِيزَتْ كانت مخيضاً، ولكن لا مبالاة بذلك القدر؛ فإن المقصود من الزبد السمن.
٢٩٦٩ - وقال الأئمة: لو باع حنطةً بشعير، وفي الحنطة حباتُ شعيرِ، صحَّ البيع؛ فإنّ الشعيرَ في الحِنطةِ غيرُ مقصودٍ لمن يبتغي تَملّكَ الحنطة، ولو باع حنطةً بحنطة وفي أحد المكيالين حبّاتُ شعير، فالبيعُ مردودٌ عند الأصحاب؛ من جهة أن المماثلة تزول بين الحنطتين بسبب ذلك القدر من الشعير، والمماثلة معتبرة في بيع