بخلل الأصابع في الضربة الأولى، ثم لم يُنفَض حتى ركب ذلك الغبارَ غبارٌ في الضربة الثانية، فلا يصح التيمم؛ فإن الغبار الأول يمنع الغبار الثاني، ولا يمكن الاكتفاء بذلك الغبار؛ فإنه في حكم غبارٍ حصل على المحل، رُدِّد عليه من غير فرض نقلٍ إليه في أوان فرض النقل".
هذا نقل والده عن القفال، ومع علوّ منزلة القفال، وأنه شيخ طريقة الخراسانيين (المراوزة)، وإجلال الإمام له، لم تمنعه جلالته من ردّ الإمام لقوله هذا؛ إذ تعقبه قائلاً: " وهذا عندي غلوٌّ ومجاوزة حدّ، وليس بالمرضي اتباع شَعْب الفكر، ودقائق النظر في الرخص ".
ثم يستدلّ لرأيه بدليلين: أولهما- أن ما قاله القفال مخالف لروح الشرع، فيقول:
" وقد تحقق من فعل الشارع ما يشعر بالتسامح فيه ".
وثانيهما- أنه مخالف للمعقول المشاهد، فيقول في ذلك: " لم يوجب أحد من أئمتنا على الذي يهم بالتيمم أن ينفض الغبار عن وجهه ويديه أولاً، ثم يبتدىء بنقل التراب إليها، مع العلم أن المسافر في تقلباته لا يخلو عن غبارٍ يرهقه (١)" وهذا كلام واضح مبين دالٌ على مقصودنا من غير تعليق.
* ومن هذا الباب أيضاً خلافه للأصحاب في الاقتصار على ما يطلق عليه الاسم من أركان الخطبة في الجمعة، وبخاصة ركن (الوصية بالتقوى)، فيقول: " إذا قال الخطيب: " أطيعوا الله واجتنبوا معاصيه "، فهذا القدر لو فرض الاقتصار عليه، فالذي يؤخذ من قول الأئمة أنه كافٍ؛ فإنه ينطلق عليه اسم الوصية بالتقوى والخير ".
ثم يتبع ذلك قائلاً: " ولكني ما أرى هذا القدرَ من أبواب المواعظ التي تنبه الغافلين، وتستعطف القلوب الأبية العصية إلى مسالك البر والتقوى ... ؛ فلا بدّ من فصلٍ مجموع فيه هزٌّ واستحثاثٌ ".
فهو هنا ينظر إلى أقوال الأئمة وطرقهم، وإلى النصوص والأدلة، فيرى هذا القدر من الوعظ محققاً للأركان، مسقطاً للفرض، ولكنه لا يرضى ذلك، ويخالف