أية أمة هذه!! التي قادت العالم أكثر من ألف عام، وأية شريعة هذه التي أضاءت الدنيا، وبددت دياجيرها.
ولْنقل للحيارى الباحثين عن النجاة، والضاربين في كل اتجاه؛ جرياً وراء السراب، لنقل لهم ما قيل لبحارة السفينة التي ضلَّت طريقَها، حتى نَفِد منها الماء العذب، فأخذت تستغيث، فجاءها الرد: ألقوا دَلْوكم حيث أنتم. وتكررت الاستغاثة، وتكرر الردّ: ألْقوا دَلْوكم حيث أنتم .... فعادت الدلاء بالماء عذباً سائغاً، ذلك أنهم كانوا فوق مياه نهر (الأمازون) التي يدفعها النهر في المحيط، وهم لا يشعرون.
فيا أيها الحيارى الجارون وراء السراب:" ألقوا دلوكم حيث أنتم. لنُلْقِ الدلاء، فما أزخر الأعماق عندنا بالعذب الفرات "(١).
كان هذا ما قلته، وهو يعبر عن إعجاب وتقدير لما اطلعت عليه -على قلّته- من تراثنا الفقهي.
...
أثمرت هذه المرحلة إذاً هذا البحثَ (فقه إمام الحرمين: خصائصه - أثره - ومنزلته) ثم تحقيقَ كتاب (الغياثي).
ورحت أتطلع لما وعدتُ به من تحقيق (نهاية المطلب)، ووقفت أسائل نفسي: هل أستطيع أن أقوم بهذا العمل؟ هل أتمكن من جمع صورٍ لمخطوطاته المبعثرة في خزائن العالم؟ وهل ستكوّن هذه الأجزاء نسخة كاملة؟ وفي كم من الزمن أستطيع أن أصل إلى هذا؟ وهل أُطيق قراءةَ هذا النصِّ وأُقيم تصحيفَه، وأصوب تحريفَه؟ ثم هل بقي في العمر فسحة تسع هذا العمل؟
وضعت هذه الأسئلة أمام عيني، ورحت أقلب الأمر على وجوهه، ووقفت حائراً