للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متردداً: أقدم رجلاً وأؤخر أخرى، يدفعني حبي لإمامي، وعشقي لتراثه، فأتقدم، وتردُّني هذه الصعوبات فأتأخر.

وما هو إلا أن شرح الله صدري، وربط على قلبي، فحزمت أمري، وعقدتُّ عزمي، فنفضت يدي من كل عملٍ سوى هذا العمل، وأقبلت عليه إقبال عاشق ولهان، وقضيت هذه السنوات التي تربو على الخمس والعشرين، أسيرَ هوى إمام الحرمين وكتابه، أبذل في سبيل ذلك كل ما أُطيق، بل فوق ما أطيق، أرتحل وراء المخطوطات حيث يعزّ جلبُ صورها بالمراسلات، والرجاءات، والوساطات، وأتابع إعدادها للعمل: من نقلٍ من الميكروفيلم إلى الأوراق، ثم أعكف عليها مفهرساً مرتباً، وفي ذلك من العناء ما فيه، " لا يعرف الشوق إلا من يكابده ".

ناهيك عما كان يحدث من مفاجآت حيث كنا نلهث وراء تصوير المخطوط، ونبذل ما نبذل، ثم نفاجأ بعد إظهار الفيلم أنه ليس من (نهاية المطلب) ولكنه من كتاب آخر، أخطأ مفهرسو الخزانة وسجّلوه باسم نهاية المطلب. ولكن المفاجأة الأبشع أن يشتبه رقم المخطوط ورمزه على المصوِّر فيترك (نهاية المطلب) وهو بين يديه ويصوّر لنا كتاباً آخر، ومن أعجب العجب أنّ ذلك تكرر معنا أربع مرات متتاليات، تأتينا مكررةً صورةُ كتابٍ آخرَ غيرِ الذي نريده، مع أننا كنا لا نألو جهداً في توضيح المطلوب: حيث كنا نرسل صورةً لصفحة فهرس الخزانة، ونبين عليها الرقمَ المطلوب، ونذكُر بدءَ الجزء وخاتمته، ونؤكد أن هذا هو المطلوب!!! ومع ذلك كان ما كان. وأخيراً قيض الله لنا من أهل العلم مَنْ أعاننا على الحصول على الصورة المطلوبة، فجزاه الله خير الجزاء.

والحديث عن المعاناة في هذا الجانب ووصف ما لقيناه وكابدناه، يضيق به المقام، وله مجالٌ غير هذا المجال.

وإنما ألمحت إلى طرفٍ من هذا العناء لأقول: لو أن هناك عملاً مؤسسيّاً يرعى تحقيق التراث ويعمل على حمايته ونشره، لو كانت هناك مؤسسات فاعلة جادة في هذا المجال، لتولّت عن المحققين هذه المرحلة المرهقة المتعبة من العمل، ولقامت هي بجمع صور المخطوطات جمعاً مستقصياً بما يكون لديها من أجهزة

<<  <  ج: ص:  >  >>