للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأشياء، والتنبيه على طريق التقريب فيها وبخاصة في الأمور المرسلة التي لا يثبت توقيف خاص شرعيّ فيها، كما نحن مدفوعون إليه من لزوم الاتباع، وترك الاقتصار على أدنى مراتب الأذكار، فلم تثبت في الخطبة ألفاظٌ مخصوصة مثل التشهد والقنوت وغيرهما؛ فجرّ ذلك ما أنهيت الكلام إليه من الترددات".

والخلاصة: أن الأحكام تقتضي الإتيان بأركان الخطبة، وهيئاتها، وآدابها، ولكن حقيقة الخطبة هل توجد بسرد الأركان؟ إنه يبحث عن الحقائق والغايات ويشهد له الاتباعُ، فالمأثور من فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسلف الأمة عدمُ الاكتفاء بسرد الأركان والهيئات.

* ومسألة أخرى تشهد بالتفاته إلى روح الشرع ومقصوده، وهي الأذان الأول لصلاة الصبح، فينقل مخاوضة الأصحاب ومفاوضتهم في محاولة تحديد وقت محدد لذلك الأذان، ولا يرى التحديد رأياً، فيقول: " إن هذا ليس تحديداً -وإن رَوَوْا فيه حديثاً- فالمراد بتقديم الأذان التهيؤ للصلاة بعد الاستيقاظ من النوم؛ حتى يصادف أول الوقت؛ فالمسألة تقريب، وليست تحديداً ".

وكما ردّ القولَ بالتحديد ردّ بقوّة القولَ بجواز الأذان طول الليل، ولم يمنعه من نقده العنيف لهذ القول أن صاحبه هو الشيخ أبو علي السِّنجي الذي يعترف بعلو منصبه، ويكثر النقل عنه، والثناء عليه.

* ويدخل في هذا الباب ردُّه وعدم قبوله للتعليلات والتفسيرات التي لا يقبلها العقل، وليس وراءها معنى يرعاه الشرع، مثال ذلك: حينما قال المزني: إن أقل النفاس أربعة أيام مستنبطاً ذلك من أن أكثره ستون يوماً، وأكثر الحيض خمسة عشر يوماً، وأقل الحيض يوم واحد، فلما كان أكثر النفاس أربعة أمثال أكثر الحيض، كان أقل النفاس أربعة أمثال أقل الحيض، أي أربعة أيام. كذا قال المزني، فغضب إمام الحرمين، ولم يقبل هذا، وردّه قائلاً: " وهذا الفن غير لائق بفقه المزني، وعلوّ منصبه؛ فإن المقادير لا تبنى على الخيالات الشبهية ".

ثم العلة التي رآها هو لهذا التقدير هي الوجود الذي ثبت بالاستقراء فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>