للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" ولست أرى لهذه الأصول مستنداً غير (١) ما تقدم في أعصار الأولين من الوجود " فهو يرى أن تقدير أقل النفاس بأربعة أيامٍ لا مستند له إلا الاستقراء الذي ثبت به عند الأولين هذا (الوجود)، أي وجدوا أن أقلّ ما تنفس المرأة أربعة أيام.

* وشبيه بهذا ردّه لقول من قال: " إن من عليه أحداث، مثل من مسَّ، وبال، ثم نام، فإذا نوى رفْع حدث النوم بالوضوء، لم يرتفع حدث البول والمس " فقد سخر الإمام من هذا الكلام، وقال معقباً عليه: " وهذا حَيْدٌ عندي عن الفقه؛ فإن المرعي هو المنع، وهو المعني بالرفع، وما اتحد فلا يتحقق فيه تعدد ولا اختلاف، ولا يترتب بتقدم أولٍ وتأخر ثانٍ ".

* ومن هذا الباب أيضاً رده لقول القائلين: " إن الخمر لا يطهر إذا تخللت بطرح شيء فيها؛ بعلة أن ذلك الشيء الذي يطرح فيها يتنجس بملاقاتها، فإذا تخللت الخمر، نجستها هذه الأعيان التي طرحت فيها وتنجست بها عند طرحها ".

ناقش ذلك في كتاب الرهن عند الكلام عن رهن العصير الذي يتخمر ثم يعود خلاًّ ... ، وهاك نص عبارته:

" وعلل بعص أصحابنا منع تخليل الخمر بطرح شيء فيها، بأن العين الواقعة في الخمر تنجست بملاقاتها، فإذا انقلبت الخمر خلاً، نجسته تيك العين المتنجسة بملاقاة الخمر، وهذا قول غير صادر عن فكرٍ قويم؛ فإنه لا معنى لتنجيس العين إلا اتصال أجزاء الخمر بها، وجوهر تلك العين على الطهارة، فإذا انقلبت الخمر خلاًّ، فمن ضرورة ذلك أن تنقلب تلك الأجزاء التي لاقت العين الواردة على الخمر طاهرةً؛ فلا حاصل إذاً لذلك ".

ومع وضوح هذا الكلام، نجده يزيد الأمر إيضاحاً وبياناً، فيستدل بما يبقى في العصير من العناقيد والثجير (٢)، فإذا تخمر العصير، فقد تنجست هذه الأعيان التي به، فإذا عاد خلاً من غير طرح شيء فيه، فهو طاهر عندهم، مع أن الأعيان التي به


(١) مفعول ثانٍ لـ (أرى).
(٢) الثجير: ثُفل كل شيء يعصر، كالعنب وغيره. (معجم).

<<  <  ج: ص:  >  >>