تنجست عندما صار خمراً، فلماذا لم تنجسه؟ وهذا نصّ عبارته في ذلك:" لو التزمنا تمحيص العصير، لنقّيناه من العناقيد، والثجير، والتزمنا تصفيته جهدنا عن الأقذاء، وهذا أمر طويل، لا يستريب مُحصِّل في حيده عن سمت الشريعة ".
فتأمل قوله:" لا يستريب محصل في حيده عن صمت الشريعة " فسمت الشريعة: روح الشريعة لا يقبل هذا التشدّد، ومن يقول به لا بصر له بروح الشرع.
* ومن ذلك ما قاله عند الكلام على تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة مائعة، كالبول مثلاً، فقد ردّ -غاضباً- قول من قال:" يجب رعاية عدد الدّلاء؛ فإذا بال اثنان، لم تتطهر الأرض إلا بصب دلوين " ردّ ذلك قائلاً: " وهذا الفن من الكلام مما لا يقبله لُبّ عاقل، فأيّ معنىً لتعدّد الدّلو، والغرضُ المكاثرة؟ وأي فرقٍ بين أن يجمع ملء دلوين في دَلوٍ عظيم ويصبّ، وبين أن يكون في دلوين فيصبان؟ فأي أثر لصورة الدلو؟ وقد يكثر بول بائل، ويقلّ بول بائلين، فاعتبار مقدار النجاسة، وتنزيلُ مقدار الماء على مقدارها بنسبة المغالبة مقطوعٌ لا مراء فيه ".
هكذا دائماً ينظر إلى الحقائق والغايات، وهي روح الشرع، فالمقصود الطهارة، والطهارة تكون بالمغالبة والمكاثرة، سواء حصلت بماءٍ يحويه دلو أو أكثر، ولا عبرة بتعدد الدلاء، ولا بتعدد البائلين.
* ويدخل في هذا أيضاً ما قاله عند الحديث عن نقض الوضوء بمسّ الفرج، وكيف الحكم لو كان الممسوس فرج الخنثى؟ وبأي العلامات يُلحق بالذكر؟ وبأيها يُلحق بالأنثى؟ قال:" وأما ما ذكره بعض الناس من النظر في أعداد الأضلاع، فذاك شيء لم أفهمه، ولست أرى فرقاً فيها بين النساء والرجال ". اهـ
يشير إلى ما يقوله البعض من أن أضلاع الرجال تنقص واحدة عن أضلاع النساء، زاعمين أن الله عزت قدرته أخذ ضلعاً من آدم، فخلق منها حواء، ناظرين في ذلك إلى الحديث الشريف:
" اتقوا الله في النساء؛ فإنهن خُلقن من ضلع أعوج ".
وها أنت ترى الإمام لم ير هذا الكلام يستحق الذكر، فأعرض عنه، واكتفى بأن