للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكلّ ما يتَّضح فيهِ اطرادُ العادة، فهو المحكَّم، ومضمرُه كالمذكور صريحاً، وكل ما تتعارض الظنونُ بعضَ التعارضِ في حكم العادة فيه، فهو مثارُ الخلافِ وسبَبُه.

وألحق القفالُ بما ذكرناه أمراً آخر، فقال: إذا عم في الناس اعتقادُ إباحةِ منافعِ الرهن للمرتهن، فاطراد العادة فيه بمثابة شرطِ عقدٍ في عقد، ويلزم منه الحكمُ بفساد الرهن، وقد يجري ذلك في أغراضٍ في القروض، لو ذكرت لفسَدَت القروض بها.

والقفال يجعل اطرادَ العرفِ بمثابةِ الشرطِ، ولم يُساعده كثيرٌ من أصحابنا، وقالوا: الرهنُ يصحُّ إذا لم يُشرط فيه شيء، وكذلك ما في معناه. وسنذكر الضبطَ في محل الخلاف والوِفاق -إن شاء اللهُ تعالى-

وكان شيخي يقولُ: لو كان في بقعَةٍ من البقاعِ المعدودة من الصرودِ (١) كرومٌ، فكانت الثمار لا تنتهي إلى الحلاوة، وعم فيها العُرف بقطع الحِصْرِم، فإطلاق البيع محمول على العُرف في القطع، وهو نازلٌ منزلةَ البيع بشرط القطع، فالتعويل في أصل المذهب على العادة.

وأنا أقول: لا شك أن حمل المطلقِ من البيع في الثمار التي لم يَبدُ الصلاحُ فيها على المقيّد بشرط التبقيةِ مأخوذٌ من العُرفِ.

والوجه في هذا عندنا أن يقال: كل ما يتعلق بتوابعِ العقودِ من التسليمِ، والقطعِ، والتبقيةِ، وكيفيةِ إجراء البهيمة المكراةِ، والمقدارِ الذي تَطوي في كل يوم، فهذه التوابع منزَّلةٌ على العرفِ، كما ذكرناه. ومن جملته حملُ الدراهم المطلقة على النقد الغالب، وهذا في اعتياد يعم، ولا يختصّ بتواطُؤِ أقوام.

٣٠٣٢ - فأما العادة التي تُتلقَّى من تواطؤ أقوامٍ على الخصوص، كشرط الإباحَةِ في الرهن، وشرائطَ معروفةٍ فاسدة في القُروضِ، فهذا محمول على اصطلاحِ أقوام،


(١) الصرود: الصَّرْدُ شدة البرد، والجمع صرود (المعجم). وواضحٌ من السياق أن المعنى: إذا كانت كروم العنب في بقعةٍ معدودة من المناطق (الصرود) أي الباردة، فالعنب لا يتم نضجه بسبب البرد، فجرى العرف بقطعه وهو (حِصْرِم) أي حامض.