للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على التعرض للعاهة ويحتمل ذلك في العقدِ الذي يكون الثمر يتعاقبه. والقائل الثاني يعتبر الاجتناب من امتصاص الثمار رطوبةَ أشجار الغير.

وأما أبو حنيفة (١)، فإن مذهبَه مجانبٌ لمذهَبنا، وهو أخذ فيه مسلكاً آخر، فحقُّ العقد عنده إذا أفردت الثمار بالبيع، أن تُفرَّغ الأشَجار منها. مزهيةً كانت الثمار، أو غيرَ مزهيةٍ. ورأى تبقيةَ الثمارِ إدامةً لِشغل ملك الغَيرِ.

وأجاب بعضُ الأصحاب عن هذا الطريق بأن قالوا: ليس للأشجار منفعةٌ تفوتُ بتبقية الثمارِ عليها، وإن كان يقدَّر ازديادُ الثمار من أجزاء الأشجار، فذلك قليلٌ بعد بدوّ الصلاح.

وهذا المعنى غيرُ سديدٍ، وهو مشعر بتكليف التفريغ إذا كانت المنافع المُعتبرةُ تتعطل، وليس الأمر كذلك عندنا؛ فإن من ابتاع شجرةً مطلقاًً لم يكلف قلْعَها، وفي إدامتِها شُغلُ منافعَ معتبرةٍ. ولكن كانت العادةُ التبقيةَ، وليس في التبقية تعريضٌ للتلف، فاحتمل ذلك، وجرى بقاءُ الشجرة حقاً مستحقاً تابعاً لملك الشجرة. وليس هذا من قبيل الإعارة، ولا يسوغ لبائع الشجرة أن يقلعها على شرط أن يغرَمَ (٢) ما يَنقُصُه القلعُ، والسبب فيه أن التبقيةَ مستحقةٌ بعقدِ الشراء، وحقوقُ الشراءِ، لا تَبطُل على أربابها، وكذلك إذا اشترى بناءً مطلقاًً، استحق تبقيتَه إلى غيرِ آخِرٍ، لما قرَّرناه.

٣٠٣٦ - ومن هذا الأصل اختلف قول الشافعي في أن من اشترى شجرةً مطلقاًً، وملك بالشراء أغصَانها وعُروقَها، فهل يَملكُ مَغْرِسَها من الأرضِ؟ والأصَحُّ أنه لا يملكه؛ فإن اسمَ الشجرةِ لا يتناول شيئاً من الأرض.

وفي المسألةِ قول آخر: أنه يملكُه؛ فإنه يستحق تبقيةَ الشجر لا إلى نهايةٍ، فلْيُقضَ بملكه لمغرسها، وإلا، فلا نظير لهذا النوع من الاستحقاق.


= والإنسانُ: هلك. (معجم).
(١) ر. مختصر اختلاف العلماء للطحاوي: ٣/ ١١٧ مسألة رقم ١١٩٧، ١١٩٨، البدائع: ٥/ ١٧٣.
(٢) في (هـ ٢): ألا يغرَم.