للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتقصى، ويراجع أكثر من نسخة، وأكثر من مصدر، ويجعل لاحتمال خلل النسخة مجالاً.

* وإذا كنا قد سجلنا هذا منهجاً لإمام الحرمين، وأقمنا الدليل عليه من نصوص عباراته في كتابنا هذا، فقد سبقنا إلى ذلك إمامٌ جليل من أئمة المذهب، وهو شهاب الدين أبو إسحاق، إبراهيم بن عبد الله، المعروف بابن أبي الدم المتوفى سنة ٦٤٢ هـ، فقد وصف الإمامَ بأنه " معروف بشدة تتبعه كلامَ من تقدمه بالبحث والتحقيق "، وذلك عندما نقل في كتابه (أدب القضاء) ما حكاه إمام الحرمين عن أبي حنيفة في تعريف المدعي والمدعى عليه، وهاك عبارته بنصها، قال: " وقال الإمام: المدعي عند أبي حنيفة من يثبت الشيء لنفسه، والمدعى عليه من يثبت عن غيره، وفي نسخة أخرى (أي من النهاية): " من ينفيه عن غيره ". هذا نقل الإمام عن ذلك الحبر الإمام، ولم يزد عليه شيئاًً، مع شدة لتبعه كلامَ من تقدّمه بالبحث والتحقيق ".

فابن أبي الدم يعجب من نقل الإمام عن أبي حنيفة هذا الحدَّ للمدعي والمدعى عليه، بدون أن يبين خلل هذا الكلام، أو يبحث عن زلله، " ولم يزد عليه شيئاًً " وهذا غير معهود من إمام الحرمين. وواضح أن ابن أبي الدم راجع نقل الإمام في نسخةٍ أخرى من النهاية، ولم يرتض هذا ولا ذلك.

وبعد أن بين بطلان حد المدعي من جهة المعنى، بأن يكون المدعي وكيلاً، أو وصيّاً، أو ناظر وقف، فهو لا يُثبت لنفسه، بعد هذا قال: إن بطلان حد المدعى عليه واضح لا يحتاج إلى كلام؛ فهو كلام غير مستقيم -على النسختين- " وإنما صوابه: ينفيه عن نفسه " (١) ثم قال: " وعندي أن هذا زلل من النساخ؛ فإن منصب هذا الإمام (يعني أبا حنيفة) أجلّ من قول مثل هذا " (٢).


(١) هذا الذي قدره ابن أبي الدم هو الذي تجده في مصادر الأحناف، انظر على سبيل المثال: الاختيار: ٢/ ١٠٩، وتحفة الفقهاء: ٣/ ١٨١، وبدائع الصنائع: ٦/ ٢٢٤، وروضة القضاة: ١/ ١٦٥، ١٦٦.
(٢) ر. أدب القضاء، لابن أبي الدم، بتحقيق محمد الزحيلي: ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>