للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما تعارضت هذه الوجوه، اختلف لأجلها أصحابُنا؛ لمّا علموا أن لا سبيل إلى إبطال حق المشتري من الأرش والرد جميعاً.

فذهب ابنُ سُريج إلى أن هذا عقد تعذَّر إمضاؤُه، فالوجه فسخُه، كما يُفسخ العقدُ إذا اختلف المتبايعان وتحالفا، ثم من حُكمِ الفَسخِ (١) ردُّ الثمنِ، ولا سبيل إلى استردادِ الحلي لما ذكرناه من وجوه الإشكال، فنقدِّر كأن الحلي تلف، والوجه إذا قدَّرنا ذلك الرجوعُ إلى قيمةٍ معتبرة بالذهب إن كان الحُليُّ من فضةٍ، فنعتبر قيمةَ الحلي وبه العيب القديم، ومساقُ هذا يقتضي تبقيةَ الحُلي على المشتري ملكاً، هذا مذهب ابن سُريج.

وذكر العراقيون وجها آخر، وهو أن الحُليَّ يُرَدُّ على البائع، ونورد الفسخَ عليه، ثم المشتري يغرَم للبائع أرشَ العيبِ الحادث، على تقدير أنه عيَّبَ ملكَ غيرهِ في يده الثابتةِ على سبيل السَّوْم.

وهذا يُناظر قولاً للشافعي منصوصاً عليه في النكاح، وهو أن الرجل إذا دخل بامرأته، ثم فسخ النكاح، أو انفسخ [لمعنىً] (٢) بعد المسيس، فالمنصوص عليه أن الزوج [يستردّ] (٣) جملةَ المسمَّى، ويرتد إليها البُضْعُ، ثم يغرَم الزوج لها مهرَ المثل، فجرى رجوعُ المهرِ، وارتفاعُ النكاحِ على قياس الفسوخ. ثم الزوج غرم مهر المثل، حتى لا يخلو الوطء عن المهر.

وقالَ صاحب التقريب: يُحتملُ وجة ثالث، وهو أن البائعَ يغرَم للمشتري أرشَ العيب القديم، ثم لفظه في الكتاب: "وأرجو أن يصح هذا". وقد مال إلى اختيار ذلك بعضُ المحققين، وقال: قد وقعَ التقابُل على شرط الشرع ابتداءً، وجرى الملك على جميع الثمن، فإذا فُرِض ضمانُ أرشِ العيب، فهذا تمليكٌ جديد، وإن كان له استناد إلى سابق من طريقِ الاستحقاق، والمرعي في تعبدات الربويّات حالةُ العقد، فغرامةُ الأرش في هذا المضيق، يقدَّرُ كأرشٍ مبتدأ مترتبٍ على جناية على ملكِ الغير.


(١) في (ص): حكم بالفسخ.
(٢) في الأصل: بمعنىً.
(٣) ساقطة من الأصل.