قال: فإن قلنا يمين الرد ينزل منزلةَ البينة، فلا يحلف المشتري في الصورة التي ذكرناها؛ فإن غرضَهُ لا يتضح في تحليفه إلا بتقدير نكوله مع رد اليمين على البائع المستحلِف، وإلا فلا فائدةَ في تحليفه، فعلى هذا لا يحلف؛ لأنا جعلنا يمين الرد كالبيّنة، وقد ذكرنا أن بينته لا تسمع، فلا تحليفَ إذن.
وإن قلنا: يمينُ الرد بمنزلةِ إقرار المدعى عليه، فاليمين معروضةٌ على المدعى عليه؛ فإن يمين الرد في عقباه كإقرار المدعَى عليه، ولو أقرّ المدعَى عليه، لثبت موجَبُ الغلط.
وذكر بعض (١) أصحابنا وجهاً ثالثاً فقال: إن باع بالمائة، ثم ادعى المائة والخمسين، وذكر الغلطَ مطلقاًً من غير ذكر سبب يقتضي الغلطَ، فدعواه مردودةٌ والمدعَى عليهِ لا يحلف. وإن ذكر سبباً لا يمتنع وقوعُ مثلهِ، مثل أن يقول: طالعتُ جريدتي، فغلطتُ من ثمنِ متاعٍ إلى ثمنِ آخر، وأخبرني من أثق به، فعوّلتُ على قوله، ثم تبينت خطأه، فما يقوله من هذه الأجناس ممكنٌ. وإن ذكر شيئاً منها، كان له تحليفَ المشتري، بخلاف ما إذا أطلقَ؛ فإن مطلقَ الدعوى مضادٌّ لصيغة البيع.
وإذا تَواردا على التضادّ، لم يُقبل أحدهما. وإذا ذكر عُذراً قَرُبَ قبولُ القولِ.
ثم لا خلاف أنا لا نقبل قول المدعي، بل فائدة ما ذكرناه تمكينُه من تحليف المشتري، وهذا الفصلُ اختيارُ أبي إسحاقَ المروزي.
وذكر صاحب التقريب أن من أصحابنا من قطع القول بجواز تحليفه المشتري إذا ذكر السبب، وردَّ الوجهين إلى الإطلاق.
وهذا الآنَ فيه مزيدُ نظرٍ؛ فإنا إذا قطعنا القولَ بالتحليف، لزم أن تُسمع بيّنةُ المدعِي، فإنّ القطعَ بالتحليف يُثبت يمينَ الردَّ، ولا تثبتُ يمينُ الرد -مقطوعاً بها من غير خلاف- إلا حيث تُسمع البينةُ. وحيث ذكرنا خلافاً بنيناه على أن يمينَ الرَّدِّ كالبيِّنةِ أم هي كالإقرار. وفيه الخلافُ المقدَّم. وهذا بيّنٌ لمن تأَمَّله.