* بل لا يتردد في إنصاف أبي القاسم الفوراني الذي لم يذكره باسمه مرةً واحدة على طول الكتاب، فيقول عنه دائماً:" بعض المصنفين " وهو كثير الحط عليه، ومع ذلك لا يتردد في إنصافه عندما يرى الحق في جانبه.
ترى ذلك في أكثر من موضع، ولا داعي للإطالة بذكر المسائل والأمثلة، ونكتفي بالرمز إلى ذلك.
ثامناً - معرفة الواقع والإحاطة به:
إن من يقرأ كتابنا هذا يجد الإمام -عندما يتكلم في قضية من القضايا- عارفاً بواقع الحياة من حوله، محيطاً بدقائق المسألة التي يتكلم فيها بصورة تلفت النظر، ولنضرب لذلك أمثلة:
* فالذي يقرأ كلامه عن بيع النخيل المؤبر، ولمن تكون الثمرة، ويرى وصفه للطلع، وحديثه عن ذكوره وإناثه، وشرحه لكيفية التأبير، وتشقيق الطلع أو تشققه، وعادة الذين يعملون بالتأبير وأنهم يؤبرون بعضاً، ويتركون بعضاً، وأن الريح تنقل طلع الذكور، فتقوم بالتأبير.
وأن الطلع لا يخرج كله في وقت واحد، بل يخرج متداركاً بعضه وراء بعض إذا كان نوع النخيل واحداً.
أما إذا كان النخيل مختلف الأنواع، فلا يتدارك الطلع، بل يتقدم بعضه، ويتأخر بعضه .... إلى آخر ما قال.
إن من نشأ في القرى، وعاش بين من يقومون على بساتين النخيل، لو قيل له: صف هذا الذي يعملون، ما استطاع أن يأتي بمثل هذا الوصف، وهذا التدقيق.
وقس على ذلك كلامه في قضايا الصناعات: من قِصارة، وصباغة، وخياطة، ونحوها.
وهذا يؤكد أن أئمتنا وفقهاءنا -وإمام الحرمين نموذج منهم- لم يكونوا منفصلين عن مجتمعهم وواقعهم كما يزعم الزاعمون.